فروض العطلة الصيفيّة: 
هل هي ضروريّة؟ وماذا عن الأهل والمدرسة؟ وهل التسمية ذكيّة؟

عبر إذاعة صوت لبنان، قُرأت على حلقتين

كلّ المدارس تقريباً تُعطي تلاميذَها فروضاً للعطلة الصيفيّة. مُذ أن كنّا صغاراً والحال هي هي. لكنّ السؤال ما زال هو نفسه منذ ذلك الحين: “أليسَ هناك من وصفةٍ أكثر تشويقاً للولد لجهةِ فروض العطلة من تلك التي تصفها المدارس للتلاميذ”؟ سؤالٌ آخر يخطر ببالي: “هل فروض العطلة فعلاً مهمّة”؟ أَوَليست العطلة الصيفيّة الحرّة من كلّ ضغطٍ ذي طابعٍ مدرسي مهمّة أيضاً للأولاد؟ الأهل يسألون هذا السؤال لأنّ الدراسات تُشير إلى أنّ أكثر من ثلثي التلاميذ الذين يُنجزون فروض العطلة الصيفيّة إنّما يفعلون ذلك بمساعدة مباشرة وكثيفة من الأهل. والتلاميذ يسألون هذا السؤال أيضاً وباستياءٍ في كثيرٍ من الأحيان. لسان حالِ التلميذ هو: “العطلة الآن أقصر مما كانت عليه عندما كان أهلي تلاميذ. ألا يكفيني تسعة شهورٍ وأكثر من الدراسة في السنة”؟.

أودّ أن أقول في البداية أن الفروضَ الصيفيّة نشأت وتطوّرَت في زمنٍ لم تكن فيه أيّةُ فرصةٍ أخرى للنمو الثقافي للولد خلال الصيف متوفّرة. كنا صغاراً وكُنّا نلعب في الحيّ طوال النهار، فكانت الفروض الصيفيّة تخلق توازناً بين لعبِنا وجدّيتنا، بين لهوِنا وتركيزنا. لكنّ الأمر تغيّر اليوم. الولد بات يسافر مع أهله، وهذا يُعطيه بُعداً ثقافيّا كبيراً، طبعاً إذا أحسنَ أهلُه استغلالَ فرصةِ السفر للمساعدة على تثقيفِه. كذلك، فإنّ فكرة الـ Colonie للأولاد في أيامِنا لم تكُن معمّمة بالشكل التي هي عليه الآن. لذا كانت الفروض ضرورة. قد تسأل وما دخل الـ Colonie بثقافة الولد؟ الـ Colonie هي مساحة بديعة، طبعاً إذا أتقنَ منظّموها عملهم، لكي ينمو الولد جسماً وذهناً ونفساً. عندها لا تعودُ الفروضُ الصيفيّة بذات الأهميّة التي كانت عليها قبل نصف قرن، خصوصاً وأنّ عدد الأولاد الذين يستفيدون من هذا النشاط في لبنان يُعدّون بعشرات الآلاف وأكثر.

ممّا لا شكّ فيه أنّ الفروضَ الصيفيّة تتحوّل في كثيرٍ من الأحيان إلى ما يشبه الكابوس على التلميذ والأهل، وغالباً ما يوتّر هذا الأمر العلاقةَ بينهما. لكنّ، وإذا كان لا بُدّ من الفروض الصيفيّة، فإنّ إقامة توازن بين إنجازِ فروضِ العطلة والقيام بالنشاطات الترفيهية يُصبح محتوماً. فعدمُ إلزام الطفل بإنجاز فروض العطلة بالقوة ضروري وحتمي. وبالتالي لا لزوم لنا كأهل بالاستعانة بمخفر حبيش مثلاً – إذا جاز التعبير طبعاً – لإرغام ولدنا على تنفيذ الفروض. ومن الضروري ألّا يحوّل الأهل، من حيث يدرون أو لا يدرون، فترة الدراسة إلى فترة صدام عنيف خصوصًا إذا فقد الأهل صبرهم وتفوّهوا بعبارات قاسية يكون لها تأثير سلبي على التلميذ الذي سيشعر بالتذمّر من المدرسة والبيت معًا. على الأهل أن يدركوا إن دور فروض العطلة هو ترميم الذاكرة وتمرينها، ولا يجوز إطلاقًا أن تكون مرادفًا للتوتر. وفي المطلق، لا بأس إن طوّر الأهل نظرتهم إلى نوعيّة الجهد الذهني الذي على الأولاد بذله خلال الصيف. ولا ضرر إن هُم جرّبوا أفكاراً أخرى أيضاً تتمثل بإرسال ولدهم المراهق في رحلة بعيداً عن مكانِ سكنهِم تنظّمها المدرسة أو جمعيّة أو نادٍ ثقافي في البلدة. ولما لا يتمُّ تحفيزه على المشاركة في نشاطات ثقافية مثل زيارة المتاحف أو المعارض، وممارسة الرياضة، على أن يذهبَ الأهلُ برفقته؟ هذه النشاطات تساهم في تنمية قدرات ذهنيّة جديدة لها أهمية البرنامج المدرسي نفسه. فتمضية أسبوع في مخيم صيفي بعيدًا عن المنزل تساعد في نضوج الطفل وتعوّده على تحمّل المسؤولية وتقويم ثقته بنفسه. وهي أيضاً تطوّر الثقافةَ العامّة وتنشّط عمل الذاكرة. هناك طرق عدة تنشّط ذكاء الطفل مثل قراءة المجلاّت التي يحب مواضيعها. ولما لا تكونُ مجلاتَ كرة القدم من ضمن الخيارات إن كان هو من مشجعي ريال مدريد أو برشلونة مثلاً!

المدارس أيضاً مدعوّة إلى قراءة جديدة للدروس الصيفيّة. وفي هذا الإطار، أودُّ طرحَ بعض الأسئلة. مثلاً، لماذا لا تخرج المدارس عند إعطاء فروض العطلة عن كلاسيكيتها؟ لماذا لا تُعطي التلميذ كتباً للمطالعة من أجل المتعة فقط؟ هل قراءة كتاب Robinson Crusoe مثلاً ما زالت ضروريّة في هذا الزمن؟ لماذا لا يختارُ التلميذُ نوعَ الكتب التي يرغبُ في مطالعتِها من ضمن مجموعةٍ واسعة تقترحها المدرسة، وينتقي هو البعضَ منها؟ ألا يساعدُه ذلك على تعزيز هواية القراءة من جهة، ورفع مستوى الرغبة في المطالعة وإشباعها بما يطيب له ويلذّ؟ إذا أراد هو أن يقرأَ كتاباً عن تاريخ كرة القدم، فلمَ لا؟ وإذا أرادت الفتاة أن تطالعَ كتاباً حول الأزياء، فلماذا لا نعطيها رغبة قلبها؟ المهم هو تعزيز حسّ المطالعة عندهما. وأمّا بالنسبة إلى تحسين مستوى اللغة، فلماذا لا تُعطي المدارس التلاميذ فرصةً لتجويد لغتهم عبر تشجيعهم خلال الصيف على الإصغاء إلى أقراصٍ مدمجة تتضمّن تمارين لغة صوتية مما يساهم في تعزيز اللغة شفهيًا؟ وفي المواد الأخرى من مثل الرياضيّات، ألا تعتقدون معي أنّه من المفضّل أن تبقى فروضُ الصيف في إطار إبقاء ذهن التلميذ حيويّاً، لا أن تصبحَ مراجعةً كثيفةً لكلّ ما درسه التلميذ خلال السنة. ففروض العطلة لا تهدفُ إلى إنجاح ولدٍ راسبٍ في مادّة ما. الفروض لن تنجحَه. الهدف هو إنعاش ذهنِه ليس إلّا. وبإمكان المدارس أن تفعلَ أمراً آخر. فمثلاً، لماذا لا تحثّ المدارس أهل التلاميذ على تشجيع أولادهم على أخذ دفتر تمارين العطلة إلى الشاطئ؟ ولماذا لا تلفتهم إلى أنّ الفروض الصيفيّة يجب ألا يتعدّى وقتها النصف ساعة يوميّاً، وفي أقصى حدٍّ لها ساعة واحدة؟ ولماذا لا تقول المدرسة للأهل أنّه من المفضل أن تكون فترة المراجعة خلال الصباح حين يكون المنزل هادئًا؟ ولما لا تلفت نظرهم إلى أنّه وبعد انتهاء وقت الدرس لا يجوز التحدّث عنها؟

ولم لا تفكّر المدارس بإدخال ألعابٍ تربويّة ترفيهيّة من ضمن الفروض؟ ولمَ لا تهدف كلّ لعبةٍ إلى تنميةِ ناحيةٍ ما في قدرات الولد ومهاراته؟ هذه الألعابُ موجودةٌ في السوق وهي أكثر من مفيدة. ولماذا لا نفكّر معاً في المدارس في مجموعةِ أنشطةٍ مرتبطةٍ بشكلٍ ذكيٍّ بما تعلّمه التلاميذ في المدرسة يحضّرها معلّمو ومعلّمات المواد، ليعملَ عليها التلاميذ في الصيف؟ فإذا درسوا عن الحيوان في علوم الأحياء، فليكن هناك نشاط صيفي في هذا الاطار، يعملُه التلاميذ بمساعدة الأهل، ويصوّرون ما يفعلون، ويعرضونه على رفقائهم والمعلّمة في بداية السنة. وإذا كان النشاط يتعلّق بصنع قالب حلوى مثلاً، فليقرأ التلميذ بنفسه مكوّنات هذا القالب، وإذا كانت الأم تساعد ولدَها على تركيب لعبةٍ معيّنة فليقرأ التلميذ الإرشادات المكتوبة على العلبة بصوتٍ مسموع. هكذا نكون قد حوّلنا بمساعدة المدرسة فروض العطلة الصيفيّة إلى مساحة كبيرة من الترفيه والتعلُّم والإبداع الـ Creativity.

باعتقادي، أنّه من المفيد تنظّم المدرسة لقاءً تربويّاً مع الأهل في شهر أيّار مثلاً أي قبيل العطلة الصيفيّة يهدفُ إلى تحديد الأهداف الموضوعيّة من الفروض وإلى مساعدة الأهل إدراك الطريقة المثلى لمساعدة أولادهم على تتمّة هذا الفروض فلا تكون تيئيساً لأولادهم بل متعة.

باختصار، العطلة الصيفية يجب أن تبقى رديفًا للراحة من جهة، ووقتًا ضروريًا لتطوّر التعلّم عند الطفل من جهةٍ أخرى. ولا يجوز إطلاقًا وضع التلميذ تحت الضغط لأنه يعيق تقدّمه، ويوصله إلى مطلع السنة الدراسيّة تعباً متوتّراً ومستاء.

وفي الختام، هل تجد المدارس إسماً آخر للفروض الصيفيّة؟ كلمة فرضٍ تعني “الفرض” أي إرغام مرءٍ على صنع أمرٍ ما. في اللغة الإنكليزيّة نسمّي الفرض الـ Homework، أي العمل البيتي. هل حان الوقت لكي تسمّي المدارس فروض العطلة الصيفيّة إسماً آخر من مثل: “المسؤوليّات الصيفيّة” أي Summer Responsibilities؟ أو مثلاً “تنميةُ المهارات في الصيف” Developing Skills in Summer؟ قد تبدو التسميات غريبةً عليكَ، لكن أليس تسمية العمل الصيفي بـ “الفرض” غريبةً أيضاً ورهيبةً في بعض المرّات؟

سمير قسطنطين