وزارةٌ سيادية واحدة فقط … التربية
عبر إذاعة صوت لبنان

كم أحزنُ عندما أسمع عن تمسُّكِ الأحزاب وسائر القوى السياسيّة بحقائبَ وزارية وكأنّها “مِلْك بيت بيُّن”. وكم أخجلُ من الأقوياء في السياسة في لبنان الذين يعرفون أنّنا نحن “الشعب المعطّر” ندركُ تماماً لماذا يتمسّكونَ هُم بهذه الحقيبة أو تلك … ولا يخجلون. “الشمس شارقة والناس قاشعة … وشرش الحيا طاقق” !! وكم أشعر بانتمائنا إلى قرون العصر الحجري وما قبله حين أسمع عن التقسيمات الوزاريّة. فهذه حقيبة “سيادية” كالماليّة، وتلك حقيبة “خدماتية أساسية” كالطاقة والمياه، وثالثة “خدماتية ثانويّة” كالسياحة أو الشؤون الاجتماعيّة، ورابعة “عاديّة” كالبيئة، وخامسةٌ هي “وزارة دولة” تشبه جوائز الترضية في اليانصيب الوطني اللبناني. والذي يحزُّ في نفسي أكثر من كلِّ ما تقدّم هو أمران: الأول هو أنّني لم أسمع عن حزبٍ واحدٍ متمسِّكٍ بوزارةِ التربية، والأمر الثاني هو اعتبار وزارة التربية وزارةً “عاديّة”. ما هذا العار !! وزارة التربية وزارة “عادية” !!! “معقول يا جماعة”؟! ليس ذلك فحسب بل أن أحداً لا يريدُها لنفسِه ! وزارةُ التربية التي تديرُ كلَّ شؤون التربية في لبنان، فتشرف على التعليم العالي الخاص، وتشرف كسلطة وصاية على الجامعة اللبنانية وعلى المركز التربوي للبحوث والإنماء، وتنظِّم أعمال التعليم المهني والتقني، وتدير بشكلٍ أو بآخر كلّ التعليم المدرسي الخاص … هذه الوزارة لا يريدها أحدٌ ولا تُعتَبَر سياديّة ! خزيٌ مقيت. وزارةٌ مسؤولةٌ عن مستقبل مليون تلميذ لبناني في المدارس، وقرابةَ ثمانين ألف تلميذٍ في الجامعة اللبنانيّة، وتتعاطى مع ماية ألف معلّمٍ في القطاعَين الخاص والعام، هي وزارةٌ عاديّة! الأهم من ذلك … وزارةٌ مسؤولةٌ عن نوعيّة التلاميذ الذين سيتخرجّون إلى سوق العمل، وعن نوع المهارات التي يكتسبونها من خلال البرامج التربويّة، ووزارةٌ مسؤولة عن نوعيّة الروح الوطنيّة التي سيتمتّع بها التلاميذ، وعن نوعيّة انتمائهم إلى الوطن كمكانٍ أوحد للانتماء الوطني والوجداني والعاطفي، ووزارةٌ مسؤولةٌ بشكلٍ أو بآخر عن وحدة اللبنانيّين والانصهار الوطني … هي بنظر أهل الحكم في لبنان وزارةٌ عادية … وغيرُ مرغوبٍ فيها … 
لم أحزن يوماً على ما وَصَلنا إليه كما حزنتُ بسبب نظرة الأحزاب والقوى السياسيّة الأخرى إلى وزارة التربية. كلُّهم يريدون وزارات الصحّة والداخليّة والاتصالات والطاقة والنفط والأشغال والماليّة، وكأنّنا لا ندرك السبب. وزارة التربية بقيت يتيمةً لا يريدُ تبنّيها أحد وهي الوزارة الأكثر سياديّة بين سائر الوزارات. هي التي تقرّر نوعيّة عزّة لبنان، ونوعيّة تعلّق اللبنانيين بسيادة وطنهم … هذا إذا ما كانت عبارة السيادة ما زالت فعلاً واردة في قاموس معظم السياسيين في هذا البلد
سمير قسطنطين