“العتب على قد المحبّة” ؟ غيرُ صحيح
عبر إذاعة صوت لبنان
نعتبُ على أحدِهم أو إحداهنّ. عندما نتكلّم معه أو عنه يشعر سامعُنا بشيء من المرارة في كلامنا. يرى هذا الآخر حزناً في عيونِنا عندما نفتح سجلّا من الماضي القريب من سجلّات علاقتنا بشخصٍ ما. ليس ذلك فحسب، بل أنّنا عندما نتحدّث أمام شخصٍ عن شخصٍ آخر نحن عاتبون عليه، يشعرُ الأوّل بأنّنا في حالةِ خسارةٍ أو قُلْ ندمٍ على ما نسمّيه “ثقتنا فيه”. في غيابِه، نستعملُ عباراتٍ من هذا النوع: “يا ضيعان الثقة يلّلي حطّيتا فيه”، أو “ليش يفوت بهيدي العلاقة إذا مِشْ قادر يكفّي”، أو “أخَدِت يلّلي بدها ياه وبرمِت ضهرا وفلِّت”. وإذا سألت العاتِب عن سبب عتبِه الكبير، يقول لكَ: “العتب على قد المحبّة“.
العتَب يشبه اللومَ، وغالباً ما يكون سببُه الخذلان من أحدِهم أو إحداهنّ. في مرّاتٍ كثيرة، وعندما تسنحُ لنا الفرصة لنعتبَ على شخصٍ في وجهه أو عبر الهاتف، وخصوصاً عندما يكون هذا الشخص قد تخلّى عنّا لسببٍ أو لآخر، نحاولُ قدرَ المستطاع أن نستردَّ هذا الشخص. وفي مرّاتٍ عدّة نحاول أن نمارسَ شيئاً من التلاعب بمشاعره فنخبرَه مثلاً كيف أنّ صحَّتنا تراجَعَت بسببِه أو كيف أنّنا فقَدنا طعم النوم. نريدُه أن يشعر بالندمِ أو بالذنبِ على الأقل محاولين أن نسترجعَه بهذه الطريقة التي تُخفي ضُعفاً كبيراً في شخصيّاتنا. وفي بعض المرّات يصل أحدُنا إلى نقطةٍ يُريد فيها للآخرِ أن يخاف، وتحديداً أن يخشى إمكانيّةَ انتقامِنا منه. القويّ لا يفعل ذلك. الضعيف يفعلُه. الضعفاء يستدرّون الشفقة أما الأقوياء فيبغون الاحترام لا الشفقة.
لماذا أقول كلّ ذلك؟ أقولُه لأنّ العتبَ لا أراه على “قد المحبّة”، لكنّي أرى “العتب على قد التوقّعات”. المشكلة هي في التوقّعات وليس في المحبّة. والدليل؟ الدليل هو أنّنا في مرّاتٍ كثيرة نعتبُ على أشخاصٍ لا نحبّهم. نعتبُ على المدير في العمل ونحن قد لا نحبّه. نعتبُ على الجار الذي يرمي النفايات أمام منزلنا ونحن لا مشاعر لدينا تجاهه. العتبُ إذًا هو على قدر التوقّعات. قد تقول لي الآن: “هذا صحيح، لكنّ الآخر هو الذي ساهمَ في رفعِ توقّعاتي. هو الذي دخَل إلى حياتي، هو الذي بادرَ. هو الذي سعى لكي تسقطَ هذه الطريدة أمامه”. أنا لا أُنكر ذلك. لكنّي مصرٌّ على القول أنّنا نحن كُنّا شركاء في القرار. نحنُ اخترنا أن نكونَ في هذا العلاقة. “ما ضربنا حدا على إيدنا” لنفعلَ ذلك. توقّعاتنا غير الواقعيّة Unrealistic Expectations هي المشكلة.
سرُّ القوّة في شخصيّاتنا يكمنُ في إدراكنا انّنا مسؤولون عن قراراتنا. نحنُ مسؤولون عن كلّ ما حصل. هذا لا يعني أن نجلدَ أنفسناَ. على الإطلاق. هذا يعني أنّنا بذلك ننضُجُ إلى مستوىً راقٍ من فهم الحياة وظروفها، وننمّي قدرتَنا على التعاطي بواقعيّة عالية بلا انفعال مع ما يحدثُ لنا.
قالت لي زميلةٌ في المؤسسة التي كنّا نعمل فيها معاً قبل سبعة وعشرين عاماً، قالت وأذكرُ كلامَها الذي قالته باللغة الإنكليزيّة: The second best is not good. بكلامٍ آخر، إذا كُنتَ أنتَ الخيار الثاني تفضيلاً في حياة أحدِهم، أو كانَ هو أو هي الخيار الثاني لكَ من حيثُ التفضيل، فهذا الخيار على حسناته، ليس جيّداً.
الموضوع يا صديقي ليس في المحبّة بل في التوقُّعات. تذكّر أنّ لا مكانَ في هذه الدنيا لمن يشفقون على أنفسهم ويرثون لحالهم. لذا، أُخرُج من الضعف. “الحياة حلوة” خصوصاً عندما تعرف قيمة نفسِك ونُبلَ إنسانك الداخلي وشفافيّة روحِك.
سمير قسطنطين