الحب الأول والحب الأخير
عبر إذاعة صوت لبنان
الحُبّ … عبارةٌ يردّدها كلّ الناس… يحلُم باختبارِها كثيرون. ويشكو من تبعاتها كلّ الناس مرةً واحدةً على الأقلّ في الحياة. ما هو هذا الحب؟ وما هو الحبُّ الأوّل؟ وماذا عن الحبِّ الأخير؟
الحبُّ هو شعورٌ بالانجذاب والإعجاب نحو شخص ما، وقد يُنظر إليهِ على أنّه كيمياءٌ متبادلةٌ بين اثنين. تتردّد في بعض أفلام هوليوود عبارة مثل هذه: There’s No Chemistry Between Us، أي “لا توجد كيمياء بيننا”. وهذا يعني غياب الجاذبيّة بين شخصين. لماذا ربط الحبّ بالكيمياء؟ لأنّه من المعروف أنّ الجسمَ يفرزُ هرمون الأوكسيتوسين المعروف بهرمون المحبّين أثناء اللقاء بينهم.
كلماتٌ كثيرة تُقال حول الحبّ الأوّل الذي يقف كثيرون منّا على أطلاله. لكنّنا نادراً ما نسمعُ أو نقرأُ شيئاً حول الحبِّ الأخير. كلّنا تعلّمنا في الصِغَر أبياتاً من قصيدةٍ لــ “أبو تمام” وفيها: “نقّل فؤادَك حيث شئتَ من الهوى … ما الحبُّ إلّا للحبيب الأوّل”. الحبُّ الأّول جميلٌ جدّاً لأننا فيه سمعنا عبارات الغزل الأولى، وفيه تعرّفنا على أول شخصٍ شعَرْنا أنه امتدادٌ لشخصيّتنا وأنّه نصفنا الآخر. وفي الحبِّ الأول، اكتشفنا أشياء لا يمكن تجاوزَها بسهولة، وفيه أدركنا ما هو الحبُّ، وكيف نشعرُ به، وما يفعلُه الإنسان عند الشعور به. وفي الحبِّ الأوّلِ أيضاً نكتشفُ وجهَنا الآخر بمعنى أنّ لكلِّ شخص وجهين، وجهٌ في الحياة العامّة، ووجهٌ آخر حين يحب. في الحبِّ الأول اكتشفنا أنّنا مجازفون، وأنّنا لسنا عقّالاً كما كان يحلو لأهلِنا أن يرَوْنا. أدركنا من دون كثير عناءٍ أنّنا لا نهابُ الخطرَ بالقدر الذي كان بالأجدى لنا أن نهابَه. الحبُّ الأول يعرّفك على الحبِّ بأقصى انفعالاته، على ذلك الشعور الكثيف والإحساس العالي بكل مبادرة أو نظرة أو حتى إشارة. لكن ماذا عن الحبِّ الأخير الذي تختبرُه بعد سنين طويلة على مرور الحبِّ الأوّل؟ إنْ كان الحبُّ الأوّل يعرّفك على الحبِّ وعلى نفسِك، فإنّ الحبَّ الأخير يعرّفك على الحياة. أَوَلَمْ يغنّي فريد الأطرش: “ساعة بقرب الحبيب أحلى أمل في الحياة … ينسى الفؤاد النحيب ويشكي حبه وهواه”؟ الحبُّ الأخير في وضعِه المثالي هو ذاك الذي ينتهي، أو يبدأ وينتهي بالزواج. إذاً الحبُّ الأوّل هو الذي يعرّفك على الحبِّ، وعلى ذاتك إذْ تكتشف نواحي مستورة من نفسك في عمرٍ مبكر. والحبُّ الأخير هو الذي يعرّفك على الحياة وعمقها، ورونقها وبساطتها. الحبُّ الأوّل هو حبٌّ نرجسي لأنّه تفاعلي مع الذات. هو اكتشافٌ وتفتيشٌ للنفس … للذاتِ في الوقتِ ذاته. من بعد ذلك، يبدأ الحبُّ الأوّل بالصعود نحو الآخر. الحبُّ الأخير هو تواصلي تفاعلي، أُفقي وعمودي، بمعنى أنّه ينطلق نحو الآخر، وهو تصاعدي أيضاً بمعنى أنّ الحبيبين معاً يحاولان أن يصلا إلى ما هو أرقى.
قال أحدهم مرّةً: “سيكون الرجلُ محظوظاً إنْ هو كان الحبَّ الأوّلَ لامرأةٍ ما، وستكون المرأةُ محظوظةً إنْ كانت هي حبَّه الأخير”.
سمير قسطنطين