لبنان نموذج تجربة جديدة … لكن من نوعٍ آخر
هذا الصباح عبر إذاعة صوت لبنان الساعة 7،45

في العقودِ الأربعةِ الأخيرة كان إسمُ لبنان يُطرح كحالةٍ تمثّل تجربةٍ معيّنة. فمثلاً كان يُقال أنّ تجربةَ لبنان كهمزةِ وصلٍ بين الشرق والغرب هي تجربة فريدة. فلبنان بالنسبة لهؤلاء مثّلَ بقلبِه الشرقي وعقلِه الغربي (خصوصاً في مرحلةٍ سابقة) نموذجاً فريداً لطالما أحبّت تركيا مثلاً أن تمثّلَه. تجربة أُخرى مثّلها لبنان وهي تجربةَ العيشِ معاً بين المسلمين والمسيحيين. فليسَ هناك أيُّ بلدٍ في الدنيا غير لبنان يتشارك فيه المسلمون والمسيحيون في تكوينِ السلطة. فبلدان العالم، إمّا أن تكون صبغتُها الغالبةُ علمانيّةً كمعظم دول أوروبا، أو مسلمةً كالدولِ العربيةِ والآسيوية، أو مسيحيّة من مثل الفاتيكان وربّما إيرلندا الشماليّة وغيرها من دول العالم. لكن أن تكونَ هويّةُ بلدٍ ما مزيجاً دقيقاً من المسلمين والمسيحيين، فهذا ما لم يحصل إلا في لبنان.

لكن، ماذا عن لبنان الآن؟ ما هي الحالة التي يمثّلها لبنان؟ للأسف الشديد فإنّ التجربة الحاضرة للبنان لا علاقة لها بالعيش معاً، ولا بهمزة الوصل بين الشرق والغرب، ولا بأيِّ شيء مشابه لهذه التجارب التي شكّلَت أمجاد لبنان على مدى قرنين كاملَين. لبنان اليوم بات يشبه ما نسمّيه بالإنكليزيّة Laboratory Rat أي “جرذ مختبر” … نعم مختبرَ الغرب لحالةٍ تشبِهُ الدولة من دون أن تكونَ ذات سيادة … لها شكل الحوكمة   Governance  لكن لا حاكمَ فعلياً فيها … لها حكومة لكنها غيرُ قادرةٍ على حلِّ أزمة سيرٍ ولا على جباية ضرائب، ولا على تطبيق أيّ قانون، ناهيك عن أنّ تأليفَها قد يستغرقُ أكثر من مايتي يوم. هذا هو “اللبنان” النموذجُ في الوقتِ الراهن الذي تختبرُ بلدانُ الأقوياءِ قابليَّتَه للحياة أو قُلْ للاستمرار وذلك بهدف تعميمه على دول المنطقة.

أَوَليسَ هذا ما يحصل حاليّاً في العراق؟ هناك انتهتْ الحربُ لكنّ الدولةَ لم تبدأ. الحربُ في سوريا واليمن وليبيا ستنتهي، لكنّ وضعَها لن يكونَ أفضل من لبنان. سيكونُ زعماء كثيرون فيما القادة قليلون. سيكونون كما في لبنان … يملكون ولا يحكمون … فالسيادةُ ممنوعةٌ، والسلامُ الكاملُ ممنوعٌ، وأعضاءُ الحكوماتِ سيتقاتلون حتّى آخر نَفَسٍ من أنفاس مواطنٍ صالح. سيكونُ لهذه الدولِ شكلَ الدول لكن أهلَ السلطةِ فيها سيختلِفون على توزيعِ الحصصِ، وعلى صفقاتِ تأهيلِ الطرقاتِ والبنى التحتيّة، وطبعاً الموارد الطبيعيّة. سيختلفون على كلّ شيء إلّا على تمريرِ مصالحَ بعضهِم البعض.

مؤسفٌ أن يصبحَ لبنانُ الرحابنة تجربةً بهذا المعنى ومن هذا الشكل. لكن هذه هي الحقيقة المُرَّة “على ما يبدو” من دون أن يكون الوضع “دمّو خفيف وشكلو ظريف” كما غنّت جوليا بطرس.