القصور البلديّة
عبر إذاعة صوت لبنان
أنّى توجّهتَ في القرى والبلداتِ اللبنانيّة تجدُ في عددٍ كبيرٍ منها قصراً بلديّاً تمَّ الانتهاءُ من تشييدِه أو هو ما زال قيدَ الإنشاء. كلُّ قريةٍ تريد أن تقلّد جاراتها من القرى والبلدات، فيما يصرُّ المجلس البلدي على تسمية المبنى الجديد “قصراً بلديّاً”.
هذه الظاهرة عمرُها في لبنان ثماني سنوات على الأقل، ولعلّها بدأَت بشكلٍ واضحٍ ومتتالٍ بُعيدَ الانتخابات البلدية التي جرت في العام 2010. ليس هذا ما يزعجُني. الذي يزعجُني هو أنّك إذا دخلتَ إلى قريةٍ فيها قصرٌ بلديٌّ، فإنّك سريعاً ما ستكتشف أن معظمَ طرقات البلدة ينطبق عليها المثل القائل: “كل شي زفت إلّا الطرقات”. قد يقفز إلى الواجهة أحدُهم ليقولَ أنّ رئيسَ البلديّة قد موّل تشييدَ القصرِ البلديّ من مالِه الخاص. عظيم، لكن لماذا لا يضغط أعضاء المجلس البلدي عليه ليُنفقَ هذا الكمّ من المال على تزفيت الطرقات؟ أَوَليست هذه أولويّة؟! لماذا لا يُنفق المجلسُ البلديّ هذا المال على معالجةِ الصرفِ الصحّي في القرية؟ أَوَليست هذه أولويّة أيضاً؟ تشييدُ قصرٍ بلدي ليس أولويّةً في القرى التي تفتقدُ إلى كثيرٍ من الخدمات العامّة التي يجدُر بالبلديّة توفيرها. أستطيعُ أن أفهمَ موضوعَ تشييدِ القصرِ البلديّ في حال كانت مواردُ البلديّةِ كثيرةً وفي حال كانت البلديّة تقومُ بكلِّ ما يلزم في القرية أو البلدة أولاً.
في مسرحِ الرحابنة الغنائي كانت البلديّة دائماً حاضرة، وكذلك كانت في أعمالهم السينمائية التي أنتجوها. من منّا لا يتذكّر فيلم “بنت الحارس” في العامِ 1968 من بطولةِ فيروز، حيث تدورُ أحداثُ الفيلم حولَ قرارِ الأهالي بإحدى القرى إحالةَ الحارسيَن البلديَّين اللذيَن يحرسان القرية للاستيداع، وذلك بسبب عدم وجود لصوص. وكان الحارسان نصري شمس الدين، والد بطلة الفيلم فيروز، وصديقُه “أسعد”، مما يضطرّهما للذهاب للعمل بالمدينة. ونتيجةً لذلك تتنكّر فيروز، ابنةُ أحدِ هذينِ الحارسَيْن في زيِّ لصٍّ ملثّم يهدّدُ كلّ ليلةٍ بيوتَ القرية، فيما يفشل الأهالي في القبض عليه. هنا يقرّر أهل القرية إعادة الحارسَيْن البلديَّين إلى وظيفتِيهما.
ومَن منّا لا يتذكّر مسرحية “المحطّة” حيث طالب الأهالي رئيسَ البلدية بحقوقٍ اقتصادية واجتماعية قائلين له: “أحسن شغله توعدهن … بشي خطه انمائية … بمدارس بالكهربا … وبالمَيّه توعدهن من عبكره … وبتنسى من عشية”. فيروز التي كانت بطلة “المحطة” بإسم “ورده” واجهت البلديّة، رمزَ النظام وأظهرتْ ضعفَها وما يعتريها من شوائب كالمحسوبيّة.
وفي “سهرة حب”، غنّى وديع الصافي لـ “وردة الجوريّة” أغنيتَه الشهيرة: “عَ سطح البلديي لو ما يتهدّوا فيّي، كانت راحت عليّي عَ سطح البلديّي، عا سطح البلديّي كرمال وردة الجورية كرمال كرمال وردة الجورية”.
ففي الوجدان الجماعي اللبناني إذاً، المسرحي منه والحقيقي، البلديّةُ موجودةٌ وحاضرةٌ في الأذهانِ وفي الحياةِ اليوميّةِ، إلّا أنّها تحضرُ لخدمة شؤون الناس، لا لبناءِ القصور حتّى ولو كانت النفقةُ من جيبِ الرئيس.
تشييدُ القصرِ البلديِّ ليس أولويّة. خدمةُ الناسِ من مثل تزفيت الطرقات وتجميل البلدة بالأخضر وإضاءة الطرقات وما شابه من أعمالٍ هي الأولوية.
سمير قسطنطين