قَتَلَة الزواج
عبر إذاعة صوت لبنان
لماذا يصل رجلٌ وامرأة تحابّا لفترة طويلة قبل الزواج وبعدَه، لماذا يُقدِمان على الانفصال؟ ما هي الأمور التي قَتلت هذا الحب؟ ومن أصدر حُكم الإعدام بالزواج؟ السبب الأول الذائع الصيت للإنفصال هو عدم الأمانة للشريك. الأمانة ليست سهلة، وتتطلّب رفعةً وسموّاً في لحظات الضعف الإنساني. المال مسبِّبٌ للانفصال أيضاً وإن كان كثيرون يُنكرون تسبّبَهُ في هكذا نهاية. أين أصبحَت إذاً أُغنية الشحرورة صباح: “ع البساطة البساطة .. يا عيني ع البساطة … وقديش مستحليّة عيش .. جنبك يا بو الدراويش، تغدّيني جبنة وزيتونة .. وتعشّيني بطاطا”؟ يردُّ على هذه الأغنية مَثَلان شعبيّان، الأول يقول: “اذا دخل الفَقرُ من الباب هربَ الحبُّ من الشبّاك”. والمثل الآخر يقول: “القلّة بتعمل نقار”. هذا لا يعني أنّ الغِنى يحمي الزواج، لكنّه يعني أنّ الفقرَ يفاقم في مشاكله في كثيرٍ من الأحيان. عدم التواصل الإيجابي يقتل هو الآخر الحب والزواج معاً. العبارةُ التي تُقال للشريك إمّا أن تقتل وإمّا أن تُحيي. ليست من كلمة، عندما تُقال، تبقى محايدة بمعنى neutral. هي تفعل فعلَها، فإمّا أن تُعطي الزواج دفعاً وإمّا أن تُعطيه دفعاً لكن إلى الوراء. ومن هنا فإنّ المشاكسات المستمرّة تقتل هي الأخرى الزواج. قال لي صديقي مرّة: “إذا تشاجر زوجان باستمرار وفي كلِّ يومٍ حول أمورٍ صغيرة، فإنّ هناك أمراً كبيراً يتجنّبان التشاجر حوله”، أي أنّهما لا يريدان أن يفتحا هذا الموضوع الكبير ويناقشانه. هما يخافان من نقاشه. أمرٌ خامسٌ يقتل الزواج والحب الذي كان وراءه هو زيادة الوزن بشكلٍ كبير. صدِّق أو لا تُصدّق. في الحبِّ نحنُ نحبُّ الآخر نفساً وروحاً وعقلاً وجسداً أيضاً. فعندما يطرأُ تغيُّرٌ واضح وكبير في الوزن عند الآخر، لا يعود هذا الآخر هو نفسه الذي أحببْناه. وهذا أمرٌ حصل ويحصل باستمرار ويؤثِّر على قوة الإنجذاب نحو الآخر. التوقّعات غير الواقعيّة هي الأخرى تؤّثر سلباً في الزواج. البعض يتوقّع في الزواج ألا يُصاب أحد الشريكَيْن بمرضٍ عُضال لفترةٍ طويلة، أو ألا يكون لأهليهِما تأثيرٌ مباشرٌ على قوّة العلاقة بين الزوجين. وربّما يتوقّع أحد الشريكين أو كلاهما أن يُوافق الشريك على كلّ ما يتمنّاه هو ليكتشفَ بعد فترة عندما “بتروح السكرة وبتجي الفَكْرَة” أنّ الشريك لا يوافقه على كلّ شيء. وهذا يقودُني إلى السبب السابع لقتل الحب وهو عدم الجهوزيّة للزواج. قد لا يكون الزواج هو الارتباط الأقوى في الحياة، لكنّه حتماً الالتزام الأطول في حياة الإنسان. وهو بمثابة السفرة الطويلة التي يجب الاستعداد لها طويلاً وبشكلٍ جيّد. في الزواج على كلّ شريكٍ أن يكون حاضراً للتنازل عن أمورٍ أَحبَّها ومارسَها لفترةٍ طويلة، وإذا افتكر أحدُ الشريكين بأنّه يستطيع الاحتفاظ بكلِّ ما كان سائداً قبل الزواج فهو يُخطئ كثيراً.
وماذا أيضاً؟ ماذا يقتلُ الحبَّ ومن بعده الزواج؟ النقص في الحميميّة يفعل فعله أيضاً. العلاقة العقلانيّة بين الزوجين لا تكفي. فالعلاقة بينهما ليست طوباويّة. هي علاقةٌ للجسد فيها تأثيرٌ. القديس بولس كَتَب إلى أهل قورنتوس متحدّثاً عن هذا الموضوع ومشيراً بوضوح في الفصل السابع إلى أهميّة العلاقة بين الزوجين لئلا يُجرّبا في عدم الأمانة. سببٌ آخر لقتلِ الحبِّ هو النقص في المساواة بين الرجل والمرأة وتحديداً في المساواة على مستوى الكرامة الإنسانية وأهميّة العطاءات وحتميّة التفكير معاً في شأنِ تدبير أمور العائلة. سيادة الرجل في كلّ هذه الأمور غالباً ما تُنفر المرأة وتجعل حبَّها لزوجها أمراً أكثر صعوبة أو حتى مستحيلاً. السبب العاشر والأخير هو الاستغلال بمعنى الـ Abuse. والاستغلالُ عدّة أنواع، منه الاستغلال المالي أو العاطفي أو الجسدي. ليس صحيحاً أنّ كلّ ما للشريك هو لي تلقائيّاً. هو لي فقط إنْ كُنتُ أقابلُه العطاء بعطاء والبذلَ ببذلٍ وإلّا كان في الحياة الزوجيّة الكثير من الاستغلال الذي يؤدّي إلى خسارة الحبّ والزواج.
الذين يؤمنون بطوباويّة الزواج قد لا يوافقونني الرأي في كثيرٍ من النقاط إذْ أنّهم يعتبرون أنّ رابط الحبّ هو أقوى من كلّ التحدّيات. قد أُوافقهم الرأي وألتقيهم في منتصف الطريق لأقول أنّ هذه الأسباب قد لا تكون كافيةً للإنفصال لكنّها كافيةٌ لفقدان الحب الأمر الذي يُطفئ علاقةً زوجيّةً ويجعلها رتيبةً روتينيّة مُملّة وفي مرّاتٍ كثيرة سيّئةً ومُسيئة.
سمير قسطنطين