أعمال الشغب في المدارس، لماذا، وكيف نواجهها؟
هذا الصباح عبر إذاعة صوت لبنان
تقترب السنةُ الدراسية من الانتهاء. إداراتُ المدارس التي تتكرّر فيها حوادث شغبِ تلاميذِ الصف المتخرّج، يدُها على قلبها. بداياتُ أعمالِ الشغَب بدأت في أكثر من مدرسة … من تراشقٍ بالماء داخل الصف، إلى تكسيرِ بعضِ محتويات المدرسة، إلى طلاءِ بعض الجدران والأبواب بألوانٍ وأشكالٍ متنوّعة، إلى إطلاق مرفقعات بين أقدامِ الأولاد في أوقات الفرص خلال النهار.
إداراتُ المدارس غالباً ما تلجأُ في حالاتٍ مثل هذه إلى إجراءاتٍ تأديبيّةٍ من مثل التأنيب الشديد للمرتكبين، إلى مقاطعة الإدارة والمعلّمين لسهرة التلاميذ المعروفة بالـ Prom Night، إلى إلغاء حفل التخرّج.
لكن السؤال المهم يبقى: لماذا يلجأ الأولاد إلى تصرّفٍ مثل هذا بعد خمس عشرة سنة من الدراسةِ في صرحٍ تربويٍّ؟ يبدو الأمرُ مستغرباً كلّ الاستغراب. من أين يأتي التلاميذُ بكلِّ هذا العنف؟ وكيف يجرؤون على فعل الشغب هذا؟ لماذا كلّ ذلك؟ الأجوبة البسيطة الأوليّةُ على هذه الأسئلة غالباً من تُحَمِّل الأهل والتلاميذ وحدَهم مسؤوليّة ما حدث. تسمع كلماتٍ من هذا النوع في هكذا حال: “الأهل مستقيلون من تربية أولادهم … التلاميذ صاروا “بلا مربى” … لا أخلاق في لبنان هذه الأيام”. لكن هل الموضوع ينتهي هنا؟ وهل الحلّ موجودٌ فقط عند الأهل والأولاد؟ ما هو دورُنا نحن كمربّين وكإداراتٍ مدرسيّة في التعاطي مع هذا الشغب الذي بات يزيد من سنةٍ إلى سنة؟ ماذا عن الأسباب الأخرى التي قد تتسبّب في هكذا عنف؟ هل الضغط المدرسي غير المبرّر أحياناً (أقول أحياناً) هو من الأسباب؟ هل فشلنا كمدارس في تربيةِ الولدِ على “المسؤوليّة” وهو أمضى معنا وبيننا كلّ هذه السنين؟ هل القساوةُ الموجودةُ في لغةِ التخاطب مع التلاميذ في بعض المؤسسات التربويّة هي أيضاً مسؤولة عمّا حدث؟ هل نحن علّمنا المعارف أكثر ممّا ربّينا على القِيَم أو درّبنا على المهارات؟ هل أصغينا بشكلٍ كافٍ لهؤلاء الأولاد عندما كانوا يلفتون نظرنا في فتراتٍ سابقة لبعض الأمور التي لا يستسيغونها في نظامِنا التربوي الإداري؟ أنا أتحدّث فقط عن الإصغاء لهم كحدٍّ أدنى. ماذا فعلنا في المدارس لتخفيف حدّة تأثير العنف الموجود في البرامج التلفزيونية ونشرات الأخبار على الأولاد؟ هل استحدَثْنا برنامج تدريبٍ لهم على مهاراتٍ من مثل التواصل وإدارة النزاع وحلّ المشاكل والمسؤوليّة؟ أم كانت علاقتُنا معهم في معظم جوانبِها مبنيّةً على التهديد إن هُم ارتكبوا الأخطاء؟ لماذا وكيف استطاعت بعضُ المدارس تجنّبَ ظاهرةَ العنفِ هذه؟ ماذا يمكننا أن نتعلّم من قصصِ النجاح فيها؟
في كلامي هذا لا أُريد أن أذهبَ إلى الطرفِ الآخر وأقول أنّنا وحدَنا كإدارات مدارس مسؤولون عن هذا الشغب. إطلاقاً لا. في هذه المَعْمعة، كلّنا مسؤولون: التلاميذ والأهل وإدارة المدرسة والمعلّمون. في الحقيقة، كلّنا ضحايا في مكانٍ ما. ليس هناك من منتصرٍ في حرب الضحيّة على الضحيّة. في هكذا حالات لا ينقذنا إلى حوارٌ جدّي بين الجميع، تقوده إدارة المدرسة مع كلٍّ من الأهل والتلاميذ والمعلّمين. وقد نكتشف جميعاً حينئذٍ الأسباب الحقيقيّة للشغب وطرق العلاج الصحيحة لظاهرةٍ غير صحيّة ولا تليق بنا نحن أهل التربية.
سمير قسطنطين