هيكلٌ عظميٌّ في الخزانة
A Skeleton in the Closet
عبر إذاعة صوت لبنان

هذا العنوان هو تعبيرٌ مستعملٌ في الثقافةِ الأميركيّة معناهُ المباشر أنّ “في خزانة حياةِ كلِّ إنسانٍ هيكلٌ عظمي” … A Skeleton in the Closet. في خزانة حياتِنا ثيابٌ أنيقةٌ تُجمّلنا أمامَ الناس … ثيابٌ مرتّبةٌ بشكلٍ لافتٍ لناظرِها تثيرُ استحساناً لديه. في هذه الخزانة أمتعةٌ أُخرى تجعلُ كثيرين منّا يتباهون بلبسِها أمام أصدقائهم محاولين أن يلفتوا أنظارَ هؤلاء إلى جمالِهم ودلالهم. لكنّ في خزانةِ العمرِ شيءٌ أو أشياء لا نريدُ أن يراها أحد. نحن نستحي بها إنْ هي ظَهَرَت إلى العلن، أو نخافُ من نتائجِها إن عرِفَ بها أحدٌ سوانا. لعلّه أمرٌ ارتكبناهُ في صِبانا … لعلّها جنحةٌ جاءتْ ترجمةً للحظةِ ضعفٍ قِيَميّة أو حتّى أخلاقيّة … ربّما هي علاقةٌ عاطفيّةٌ كانت متوازية مع علاقةِ الزواج … أسبابُ وجود الهيكلِ العظميِّ في خزانةِ حياتنا كثيرةٌ … والعمرُ، على قصرِه وغفلته، ليس قصيراً إلى درجةٍ لا نرتكبُ فيه أخطاءً كبيرة نخجلُ منها أو نخاف. في عيشِنا لتلك اللحظات، لحظات ما نعتبره الآن خطأً كبيراً، لم نكن نشعر أنّنا كنّا مُخطئين. فقد أحبَبْنا تلك اللحظات من كلّ قلوبنا، أو نحنُ برّرناها بملء إرادتنا، لكنّنا الآن ننظرُ إلى خطأِها على أنّه هيكلٌ عظميٌّ لا نريدُ لأحدٍ أن يراه أو أن يعرفَ عنه.

يأخذُني هذا الكلام إلى مماحكاتِ السياسيّين في بلادنا. يتّهمون بعضَهم البعض بالفسادِ وبتلزيم المشاريع الكبرى بالتراضي. لكنّني أسأل نفسي: “من منهم لا يوجد في خرانة أيّامه هيكلٌ عظمي”؟ قد يكونُ الهيكلُ العظميّ عند أحدِهم صغيراً إذْ هو مبتدئٌ في عالم الفساد، وقد يكون عند غيره كبيراً إذ هو “مايسترو” في عالم الفساد، لكنّ الهيكلَ العظميَّ موجودٌ، وإلّا فكيف نبرّرُ صمتَ كثيرين في مجلسِ الوزراءِ ومجلسِ النوّاب عند تمرير مشاريع بعشرات الملايين من الدولارات بالتراضي؟

ويأخذني هذا الكلام أيضاً إلى علاقاتنا الإنسانيّة … كم فيها من اتّهامات وإدانات! ننسى في مرّاتٍ كثيرة الهيكلَ العظميَّ الموجود في خزانة حياتِنا، ولا نرى إلّا الهياكلَ العظميّة هناك في خزائن حياة الناس!

كم كان المعلّمُ رائعاً عندما قال: “لا تدينوا لكي لا تُدانوا”. هذا لا يعني ألّا يكون لدينا رأيٌ بمّا يحدثُ حولَنا، لكنّه يعني بالتأكيد ألّا نكونَJudgmental أي ديّانين .

في خزانةِ حياةِ كلٍّ منّا إذاً هيكلٌ عظمي. ربّما هو هناك منذُ أيامِ الصبا، أو من عمر الشباب، أو هو حاصلٌ الآن. ماذا أفعل؟ ألَم يقُلْ المعلّم: “أَخرِجْ الخشبة من عينِك أولاً حتى تبصرَ جيّدا فتُخْرِجَ القشّة من عينِ أخيك”؟. الجواب إذاً بسيط … أن أتطلّع إلى خزانةِ ذاتي وهيكلي العظميِّ فيها وحياتي أنا … لكنّ الأمرَ ليس سهلاً. فهو يتطلّبُ صفاءً داخليّاً وتواضعاً ورِفعةً ورغبةً حقيقيّة في السيرِ إلى الأمام على دروب الحياة … ولمَ لا إن تتطلّبَ الأمرُ منّا أيضاً بعض الخيبات! … من أنفسِنا طبعاً … كي نتعلّم!

سمير قسطنطين