نعم لكاميرات المراقبة في قاعات الامتحانات الرسميّة … ولكن!
عبر إذاعة صوت لبنان

كلّنا سمعنا عن اتّجاه وزارةِ التربية إلى تركيبِ كاميرات مراقبةٍ في مراكز الامتحانات الرسميّة. ويبرّرُ البعضُ هذه الخطوة باعتماد مثلها من قِبَل دولٍ عدّة.

منذُ أن صدرَ هذا الكلام وردود الفعل تتوالى. معظم التربويّين لم يستسِغوه. بعضُهم رأوا فيه ضغطاً إضافيّاً على أعصاب التلميذ المُنهَكة أصلاً. البعض الآخر رأى في الخطوة كلفةً إضافيّةً عالية وغير مبرّرة على خزينة الدولة. والبعض الثالث رأى في هذا المنحى استحالةً للتطبيق إذ كيف ستوفّر الدولةُ المواردَ البشريّة اللازمة لمراقبة مئات قاعات الامتحانات على امتداد حوالى أربعين ساعة تقريباً، أي الوقت الذي يستغرقه برنامجا الامتحانات في الشهادتين المتوسّطة والثانوية؟ لكنّي وبعيداً عن كلّ هذه الأفكار القيّمة، والتي يجب مناقشتها عند اتخّاذ الدولة لقرارٍ مثل هذا، أودّ أن أُعبّر عن بعض الأفكار وأن أطرحَ بعض الأسئلة.

لا شكّ في أنّ الموضوعَ برمّته قد طُرِح بسبب الغشّ المتفاقِم في الامتحانات الرسميّة على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلَتْها دائرة الامتحانات لوقف الغشّ. وممّا لا شكّ فيه أنّ نسبةَ النجاح التي قاربت المئة بالمئة السنة الماضية رسَّخَت في أذهان التلاميذ إمكانيّةَ النجاحِ بالطرقِ السهلة أي عبر الغشّ، وأحبَطَت أولئك التلاميذ الذين تعلّموا على امتداد خمس عشرة سنة في مدارسهم أنّ قِيمَ الاستقامةِ والنزاهة والصدق هي التي تقودُ إلى نجاحِ الإنسانِ في حياتِه.

وبناءً عليه أودّ أن أطرحَ بعضَ الأسئلة: ألا تعلم الدولةُ اللبنانيّة بكلّ أجهزتِها التربويّةِ والإداريّة والأمنيّة، وهي كثيرة ما شاء الله، من هو المراقِب الذي أخذَ ورقةَ الامتحانِ من تلميذٍ متفوّقٍ وأعطاها لتلميذٍ لم يكلّفْ نفسَه عناءَ الدرسِ والاستعدادِ للامتحانات؟ ألا تعرفُ الدولة وبالأسماء، في أيّة مدارس كان الغشّ “على عينك يا فاجر – عفواً يا تاجر”؟ ألا تملكُ الدولةُ العليّةُ معلوماتٍ موثّقة وأكيدة عن أبناءِ بعضِ “الأقوياء” النافذين في البلد الذين وَصلتهم الأجوبة “دليفري وعَ جناح الطير”؟ هل جاء مدبّرو عمليّات الغش الوقِحة ومسهّلوها ومنفّذوها من المرّيخ مثلاً؟ أَوَلَم يرَهم الجميع وعرِفهم الجميع؟ وبعد كلّ ذلك، هل تكمُن المشكلةُ في وجود كاميرا أو في عدم وجودها؟ أم أنّ المشكلة تكمن في “أنّ المال السايب بيعلّم الناس الحرام”؟ وأخيراً، هل حلُّ مشكلةٍ أخلاقيّة بهذا الحجم والشكل عند التربويّين، واعذروني ليس عند التلاميذ، لا يمكن حلّها إلّا عن طريقِ حرقِ أعصابِ التلاميذ العصاميّين؟

نعم أنا مع تركيبِ الكاميرات لكن بهدفِ توجيهِها نحو من يراقب الامتحانات، ونحو من يدخل قاعات الامتحانات من دون إذنٍ، ونحو من لا يستحي بأنّه تربويٌّ، مع وقف التنفيذ طبعاً، وهو يسهّل الغشّ أو ينفّذُه أو يخطّط له أو كلّ ذلك في آنٍ معاً.

سمير قسطنطين