“التفشيخ” … عبارةٌ موجودةٌ في قاموس التداول الاجتماعي بين الناس. البعضُ يعتقد أن لُبسَ ثيابٍ غالية الثمن هو “تفشيخ”، وأنّ اقتناءَ سيّارةٍ فارهة هو “تفشيخ”، وأنّ بناء بيتٍ جميل هو من ضروب “التفشيخ” أيضاً. هذا ليس صحيحاً. فإذا كان المرءُ ميسوراً، أو هو اقتنى سيّارةً جميلةً، أو امتلكَ بيتاً وبيتين وعمارة، فليس “التفشيخ” هنا، خصوصاً إذا كان كلُّ ذلك من عرقِ جبينِه وتعبه.
“التفشيخ” هو التباهي بهذه الأمور وبشكلٍ مغرور أمام الآخرين. فمثلاً، ما معنى أن تجلسَ سيّدة متوسّطة الحال في المسبحِ وجزدان الـ Louis Vuitton إلى جانبها؟ أو أن تضع صورةً لها على الفايسبوك وهي خارجة محملّةً بالأغراض من متجرٍ في روما مثلاً معروفٌ عنه أنّه يبيع بضاعةً مرتفعة الثمن؟ أليس التباهي هو السبب؟ وما معنى أن “ينهال” عليكَ أحدُهم بمعلوماتٍ عنه وعن حياتِه الاجتماعيّة وعرضٍ لعضلاته الماليّة وأنتَ لم تجلس معه لأكثر من خمس دقائق بعد؟!
و”التفشيخ” أيضاً هو أن تشتري ما ليس بمقدورك أن تشتريه لكي تلفتَ الأنظار. و”التفشيخ” كذلك هو الإدّعاء الكاذب أي إدّعاء ما ليس المرء عليه. فمثلاً، تسأل سيّدةٌ إمرأةً ما عن سعرِ فستانها. تجيبُها الأخيرة: “ثمنُه ألف دولار”، بينما هي في الواقع دَفَعَت ثمنَه أقلّ من ذلك بكثير. الخطورةُ في “التفشيخ” هو أن يصل بنا الحدّ إلى تصديقِ ما نؤلّفه من أكاذيب حول أنفسِنا ووضعِنا الاجتماعي.
البعض يعتبر أنّ “التفشيخ” مرضُ اللبنانيّين. لا أُريد أن أجلدَ نفسي إلى هذه الدرجة، لكنّ التباهي المغرور موجودٌ بكثرةٍ في بلادنا، وقد بات ثقافةً مجتمعيّة أي Social Culture، بينما توجدُ ثقافاتٌ مجتمعيّة أُخرى في العالم ترى الناس فيها أقلّ حبّاً للظهور ممّا نحنُ عليه هنا.
إنّ “التفشيخ”، أي محاولةَ ظهورِ المرء بصورة مغايرةٍ تماماً لما هو عليه، هو تمثيلٌ على الذات بالدرجة الأولى وعلى الآخرين. لكن لماذا “يفشّخ” المرء؟ هو “يفشّخ” لأنّه يريد أن يكون مقبولاً في مجتمعات معيّنة. أن يحاولَ الإنسانُ تحسينَ مستواه الإجتماعيّ أمرٌ طبيعيّ ومقبول. لكن أن يحاول إدّعاء ما ليس هو عليه، فما هي إلاّ محاولة يائسة لرفض واقعِه الذي قد لا يكون مُرضياً لغروره وصورته التي يريدُها لنفسه.
“الفشّيخ” يرغب في الإندماج في مجتمعٍ لم يولد فيه، ويريد تسلُّقَ السلّمَ الإجتماعيّ بسرعةٍ هائلة، ويحب أن تكونَ له “حصّةٌ” أو مكانةٌ في عالمِ المال والنفوذ، ذلك لأنّ كثيرين يعتبرون أنّ هَذَين الأمرَين يحدّدان المكانة الإجتماعية التي يبغونها. لذا تراهم يفتّشون عن كلّ فرصةٍ ممكنةٍ للظهور، ومما لا شكّ فيه أنّ وسائلَ التواصل الاجتماعي جعلت “التفشيخ” سهلاً، الأمر الذي أعطى أملاً لمن يرغب في “التفشيخ” بأن يصبح حديث المجتمع.
الغريب في موضوع “التفشيخ” هو أنّ معظم “الفشّيخين” يأتون من خلفيّات اجتماعيّة متواضعة، ومعظمهم بالكاد أنهى دراسةً جامعيّة. في المقابل ترى قسماً كبيراً من الأثرياء الذين هُم كذلك “أبّاً عن جد”، وفي كثيرٍ من الأحيان، متواضعين لا يسعون لكي يبهروك بشيء عنهم، كما ترى خرّيجي هارفرد والـ MIT أقلّ كلاماً عن أنفسهم وبالتأكيد أقلّ تباهياً من أشخاصٍ أقلّ علماً بكثيرٍ منهم.
سمير قسطنطين – وزنات
أحدث التعليقات