عندما تذكر عبارةَ “خيانة” في لقاءٍ مع أصدقاء تلاحظُ أنّ معظمَ الأعيُن قد تحوّلَت عنكَ. ويعود ذلك إلى سببَين إثنين: الأوّل هو أنّ العبارةَ تُحدِثُ نوعاً من الخجل وبنوعٍ خاص عند النساء، وثانياً، فقد تُذكّر العبارةُ الجالسينَ بحَدَثٍ ما عَبَرَ في حياتهم أو هُم يختبرونه الآن. وفي كلا الحالتَين، نحنُ نشيحُ النظرَ لئلّا يقرأ أحدٌ في عيوننا أيّ شيء.
كلمة “خيانة” غالباً ما تأخذُنا إلى مكانٍ واحد وهو ما تعارف الناسُ على تسميتِه بــ “الخيانة الزوجيّة”، أي أن يُقيمَ المرءُ أو المرأةُ علاقةً مع أحدِهم أو إحداهِنّ في موازاة الزواج. لكن إذا كانت عبارةُ “خيانة” تعني “التنكّر لعهدٍ ما”، فإنّ الخيانةَ تنطبقُ على حالاتٍ كثيرة أخرى ومنها خيانةِ صديق أو خيانة وطن.
في اللغة الإنكليزيّة، نحنُ لا نستعمل تعبير Betrayal كمرادفٍ للخيانة الزوجيّة، بل نستعمل تعبير Cheating أي “الغش”، إذْ في الخيانةِ غشٌّ لآخر. ولأنَّ عبارةَ “خيانة” هي أكثر ما تذكّرنا به هو الخيانات الزوجيّة، أحبَبْتُ أن أسألَ نفسي: “لماذا يخونُ المرءُ زوجتَه؟ ولماذا تخونُ المرأةُ زوجَها؟ لماذا إقامةُ علاقةٍ موازية لعلاقةِ الزواج؟ ولماذا كَثُرَت حالات الخيانة إلى هذا الحدّ في السنوات الأخيرة”؟ وفي هذه المناسبة أُحبُّ أن أقول “إنّو ما في حدا في فوق راسو خيمة”. كُلُّنا معرّضون، أليسَ كذلك؟ التعاطي مع هذا الموضوع من أبراجٍ عاجيّة هو تعاطٍ يخفي الكثيرَ من الرياء، وفيه الكثيرُ من النكران.
البعضُ يحبُّ أن يعتقد أنّ المرأةَ تخونُ زوجَها بسببِ حاجتِها إلى المال. لكن، نساءَ كثيرات عِشْنَ حياةً مادّية بسيطة جداً، لا بل عِشْنَ في عَوَزٍ، ولم يخُنَّ أزواجَهنّ. وفي المقابل، ترى امرأةً ميسورةً “مِشْ ناقصها شي … الله واسمالله وصحن البخّور” وقد أقامَتْ علاقةً موازيةً لعلاقتها بزوجِها. إذاً، فإنّ العَوَز ليس بالضرورة سبباً للخيانة. والبعضُ يعتقد أن الرجلَ يخونُ زوجتَه بسبب ضعفِه أمام مغريات جنسيّة. لكن كثيرين هُم الرجال الذين يخونون زوجاتَهم ويعترفون في الوقت ذاتِه أنّهُم يجدون متعةً في العلاقة الزوجيّة مع زوجاتهم. بكلامٍ آخر، هُم غير محرومين من هذه البهجةِ إذا جاز التعبير. والبعض يعتقد أنّ الناسَ تخونُ لأنّها ضَجُرتْ بسبب طول سنوات الزواج. لكنّك في الوقت نفسه، ترى كثيرين من الأزواج وقد عاشوا معاً عشرات السنين ولم يَقُم أحدٌ منهم بخيانةِ الآخر. لذا فإنّ طولَ سنوات الزواج ليست هي السبب. وقد يعتقد آخرون أنّ سببَ الخيانةِ هو الحاجةُ إلى أُذنٍ تُصغي إلينا. فنحنُ لمّا نفتحُ قلوبَنا لآخر، ويقبلنا هذا الآخر، نتعلّق به عاطفيّاً. وفي غالبِ الأحيان، عندما نتعلّق عاطفيّاً بشخصٍ ما، نتورّط معه في علاقةٍ أكثر من عاطفيّة. لكن في الوقت ذاته، ترى أشخاصاً مهمّتُهم في الحياة أن يصغوا إليك مثل علماءَ النفسِ الذين يصغون إلى كلّ أنواع الضعفات البشريّة الكامنة في الحياة، لكنّهم لا يسمحون لأنفسهم – وأقول هذا بالإجمال – بأن يتورّطوا في علاقةٍ مع امرأةٍ يُعالجونها أو مع رجلٍ يزور عياداتهنّ. ويعتقد البعض أنّ الخيانةَ تعودُ إلى كثرة الحريّة. لكن هل تعلمْ أنّك في بلادٍ مثل الولايات المتّحدة حيث الحرّية الشخصيّة شبه تامّة، ترى أمانةً زوجيّةً عالية النسبةِ في العلاقات الزوجيّة ما دام الزوجان مرتبِطَيْن ببعضهما؟ فقبل الطلاق، إذا حصل، نادراً ما ترى أحدَ الزوجَيْن على علاقةٍ موازية للزواج مع شخص غير الزوج أو الزوجة. والبعض يظن أنّ سببَ الخيانة هو البُعدُ عن الله وقلّة الإيمان. لكنّنا جميعاً نعرف أزواجاً مُلحِدين في بلدان غير متديّنة يُخلِصون لبعضِهم إخلاصاً تامّاً. فإذا كان الإيمانُ هو الرابط الوحيد، فماذا عساه يكون رابط الأمانة الزوجيّة هناك!؟
إذا كانت كل هذه الأسباب الممكِنة لا يمكن تعميمها كسببٍ أكيدٍ للخيانة، فما هي إذاً الأسباب الحقيقيّة لها؟
أعتقد في هذا السنِّ من حياتي وقد قاربتُ الستّين، أنّ السببَ الحقيقيَّ للخيانةِ غيرُ معروف. أستطيع أن أُعدّدَ عشرات الأسباب للأمانة الزوجيّة من مثل الحبّ، والانجذاب نحو الآخر، وسلّم القيم أي الـ Value System، ونوع التربية التي تلقّيناها على أيدي أهلِنا وغيرها، لكنّي لا أستطيع أن أرى سبباً واضحاً للخيانة يمكن تعميمُه في كلِّ حالاتِها أو في معظمِها. يمكنكَ أن ترى أشخاصاً اختبروا على الأقلِّ حالةً من الحالاتِ التي ذكرتُها ولم يخونوا. إذاً، ما السبب؟ هل الموضوع يتعلّق فينا أكثر ممّا يتعلّق بالشريك؟ هل السببُ سرٌ كامنٌ فينا وهو أعمق بكثير مما يُقال ويُشاع عن الخيانة؟ هل الموضوع يتعلّق بطبيعتنا البشريّة؟ هل يشبهُ السببُ الحقيقيُّ ما قالَه القدّيس بولس مرة في رسالته إلى أهل رومة عن إنّ الإنسان يرغب في الخير ولكنّه يفعل الشرّ الذي لا يرغب فيه؟ الحديث عن الخيانة أكبر بكثير وأعمق بكثير من محاولات التبسيط، وللكلام صلة.
سمير قسطنطين – وزنات
عبر إذاعة صوت لبنان
يسعد صباحك سمير. مقال رائع وحساس. لقد تناولته بشكل مختلف مثل العادة. شكرا على مقالاتك التي تلفت النظر دائما وتجعلنا ننتبه الى امور لم نفكر بها قبلا.