كلٌّ منّا يَنشُد السعادة.  نسعى وراءها في مرّات كثيرة عبر المزيد من العمل، والـ Over في ارتيادِ السهرات، والإكثارِ من السفرِ، وفي الفائض من التبضّع. لكنّنا نرى أُناساً كثيرين يختبرون هذا النوع من الحياةِ وهُم غير سعداء. يبدو أنّ للسعادةِ أربعةَ هورمونات – مفاتيح يفرزها الدماغ.

الهورمون الأول هو الـ Endorphins، وهو هورمون موجود في الجهاز العصبي. يشكّل الإندورفين جزءاً من مجموعة كبيرة من مركَّبات شبيهة بالمورفين تساعد على تخفيف الآلام وتعطي شعوراً بالراحة والتحسُّن. وهو يُعدُّ من أهم مسكِّنات الألم التي يفرزُها جسم الإنسان طبيعياً. فعندما نذهب إلى النادي الرياضي أو نمارس الرياضة، فإن الجسمَ يفرزُ هذا الهورمون كي يتغلّب الرياضي على إحساس الألم الذي تسبّبُه التمرينات، وهذا هو سبب الإحساس بالمتعة عند ممارسة الرياضة. كذلك فإنّ الضحك يمثّل طريقةً جيّدة لإفراز الإندورفين. فلا غرابة إذاً في المثل القائل: “إضحك تضحك لكَ الدنيا”.

الهورمون الثاني المسؤولُ عن سعادتِكَ هو الـ Dopamine الذي يؤدّي دوراً رئيسياً في الإحساس بالمتعة والسعادة. في رحلة الحياة يقوم كلٌّ منا بمهامٍ كثيرة. الشعورُ بالإنجازِ يتسبّبُ في إفراز الدوبامين. كذلك فإنّنا عند تلقِّينا للتقدير من أحدِهم مقابل عمل نفتخرُ به أنجزناه، فإنّ الجسمَ يفرز هذا الهورمون الذي بدوره يرفع مستوى شعورنا بالسعادة. هذا ما يوضح لماذا تكونُ ربّاتُ المنزل غيرَ سعيدات في أغلب الأحيان، وذلك لأنهنّ نادراً ما يحصَلْنَ على التقديرِ والعرفان المناسبَيْن لكميّة المجهود الذي يبذُلْنَه.

الهورمون الثالث المسؤول عن سعادتك هو الـ Serotonin الذي أحدث التعرّف عليه ثورةً في علاج مرض الكآبة أي الـ Depression حيث لوحظ أنّ معظم المصابين بمرضِ الكآبةِ يمتلكون نسبة أقل من المستوى الطبيعي للسيروتونين في الدماغ. السيروتونين ينظّم القلق والسعادة والمزاج. السيروتونين يتدفّق عندما نُفيدُ الآخرين، أي عندما نتخطّى أنفسَنا ونكونُ قادرينَ على العطاءِ للطبيعةِ أو للمجتمع، حتّى ولو كان الأمرُ على شكلِ مشاركةِ معلومةٍ مفيدة مع الغير، أو كتابةِ بوست مفيدٍ على الإنترنت، أو إجابة شخص على سؤالٍ ما. جميع ما ذُكر يجعلُ الجسمَ يفرزُ السيروتونين وبالتالي فإنّ الإحساسَ بالسعادة يتحرّكُ. لا غرابة إذاً في ما قاله القدّيس بولس مرّة من أنّ العطاء، لا الأخذ، مجلبةٌ للسعادة.

الهورمون الرابع هو الـ Oxytocin المعروف بـ “هورمون الحب”. هو يولد الثقة والكرم، ويلعب دوراً هاماً في استمرار العلاقة الزوجية، لأنه يساعد على تعزيز الروابط بين الزوجين. ترتفع مستويات الأوكسيتوسين خلال معانقةِ قريبٍ، وحضن طفلٍ مثلاً، وعند المصافحة الودودة، أو في حصول النشوة بين الرجل والمرأة.

في الختام، الغريب في الموضوع أن الهورمونات الأربعة التي تُعطيك سعادةً لا تتحرّك إلّا إذا أَعطيتَ شيئاً أو بذَلْتَ جُهداً. تبذلُ جهداً رياضياً، يتحرّك الأندورفين. نحقّق إنجازاً يتحرّك الدوبامين. نكون نافعين لغيرنا، يتدفق السيروتونين. تحضن ولداً أو تُعطي شخصاً من اهتمامك، يتحرّك الأوكسيتوسين. يبدو أنّ سرَّ السعادةِ يمكن في العطاء والبذل جُهداً ووقتاً ومالاً ونفساً وذهناً. وهل تستغرب بعد كيف أن الكسالى والكسولات، ولو مَلَكوا كلّ المال، هُم غيرُ سعداء؟

سمير قسطنطين – وزنات

عبر إذاعة صوت لبنان