كثيرون يرغبون في أن يُصبِحوا مدراء في مؤسّسةٍ ما. يدفعُهم إلى ذلك قناعتُهم أنّ في الإدارة فرصةً للنمّو في المسار المهني، وكذلك منافعَ معنويّة ومادّية. لعلّ هذا الكلام صحيحٌ. إلّا أنّ الإدارة “ملّيقة”، والسلطة بمعنى الـ Power جذّابة، وهي في مرّاتٍ كثيرة تُدغدغُ فينا الـ Ego، فننزلقَ من ممارسة الإدارة إلى حبِّها والولعِ بمكاسبِها، ومن هناك ننزلقُ وبسرعةٍ إلى حبِّ السلطة، ومنها إلى التسلُّط، وهذه هي الطامةُ الكبرى. تأخذُ منّا هذه الرحلة حوالى السنة من تاريخ تعيينِنا في موقعٍ إداري. لذا تسمع البعض يقولون عن مديرٍ “إلو بالقصرْ من مبارِح العصرْ” كلماتٍ مثل هذه: “كبرانة الخسّة براسو”، أو تراهُم يستغربون قائلين: “كِيفْ تغيَّر لما صار بالسلطة”! لكنّي أعتقد أنّ السلطةَ أو التسلُّطَ هي أقلّ مستوياتِ الإدارة متعةً وأهميّةً ونتيجةً حسَنة. هناكٌ أدوارٌ أُخرى يمكن أن تلعبَها وهي أكثر جمالاً وفائدةً من التسلُّط.
إذا كُنتَ مديراً، وقبل أن تُنتجَ لكَ أعداء كُثُراً ومن دون فائدة، أودُّ أن أسألكَ ستّة أسئلةٍ عن ستّةِ أدوارٍ إيجابيّةٍ تنمويّةٍ يمكن أن تلعبَها. مثلاً، هل تأمّلتَ بالدور “المانجماتي” المحترف لكَ كمديرٍ؟ وما هو مفهوم الـ Management بالنسبة لكَ؟ الإدارة بمعنى “المانِجْمِنت” تعني القدرة على إدارة العلاقة مع فريق عملِك. إدارة العلاقة؟ طبعاً. هي ليست إدارة الناس ولا حياتهم، بل إدارة العلاقة. لذا، في إشرافِك على عمل الفريق، هل أنتَ تدير العلاقةَ معهم بشكلٍ جيّد، أم أنّكَ تدير تفاصيلَ حياتِهم فتقعَ في السوء؟
وما هو رأيكَ بدورٍ آخر لكَ يمكنكَ أن تلعبَه عبر كونكَ “منسّقاً”؟ من المفاهيم الحديثة لتعبير “المدير” هو مفهوم “المنسّق للجهود” أي الـ Coordinator of Efforts. وطبعاً المقصود هنا هو جهود أعضاء فريق العمل. ولكي تنسّقَ جهودَهم حسناً عليكَ أن تعترفَ أولاً بأنّهم يبذُلون جهداً، أي أنّك “بْتِربَحْلُن جْميلِة”. المديرُ ينسّق جهودَ أعضاء فريق العمل، لكي يعزِفوا ألحانَ عملِهم على إيقاعٍ واحدٍ فيكون هو بمثابةِ ضابطِ الإيقاع.
سؤالٌ آخر لكَ. هل تريد أن تكون “المُوَجِّه” The Guide لأعضاء فريقكَ أم أنّك تفضّل أن تفرضَ رأيكَ عليهم فرضاً؟ أنا لا أقول أنّه يتوجّبُ عليكَ أن تسترضيَ الجميع في كلّ ما تقومُ به. لكنّك وفي الوقت نفسه، أنتَ لا تتعاطى مع Robots يمكنكَ تحريكَهم كما تشاء وساعة تشاء.
الدور الرابع الذي يمكنكَ أن تلعبه هو دور “المُلهِم” Inspirer. رالف والدو أيمرسون، شاعر أميركي، مُحاضِر، وكاتبُ مقالةٍ في القرن التاسع عشر، قال مرّةً: لا يكْمُن مجدُ الصداقةِ في اليدِ الممدودةِ للصديق، ولا في تلك الابتسامةِ اللطيفة، ولا في فرحِ الرِفقةِ والمعيّة؛ بل إنّ مجدَ الصداقةِ يكمنُ في ذلك الإلهام الروحيّ الذي يجيء إلى الشخص عندما يكتشفُ أنّ أحداً غيرَه يؤمن بقدراته وهو مستعدٌّ أن يثقَ به ويأتمنَه”. هل تثقُ بناسِكَ؟ هل تأتمنُهم؟ أم أنّ العلاقةَ بينكما قائمةٌ على الشكّ؟
سؤالٌ آخر، ما رأيك بأن تلعبَ الدور “الناصح” و”الاستشاري” معهم، أي ما نسمّيه بالـ Advisory Role؟ هذا الدور تلعبُه عندما يثقُ أعضاءُ فريق عملِك فيك كمرجعيّةٍ خبراتيّة، وعندما يثقون فيك كشخصٍ قادرٍ على تقديم نصيحةٍ بتجرّد. إذا فعلتَ كلَّ ذلك، ستلعب ساعتئذٍ الدور السادس والأخير وهو دور “القائد” بمعنى الـ Leader. القيادة ليست موقِعاً، هي حالةٌ تؤثّر فيها إيجابيّا بالناس وتساعدُهم على تحقيق الأهداف.
أيُّ مديرٍ أنتَ؟ هل أنتَ غارقٌ في السلطةِ ولعبةِ القوة مع فريقِك؟ أم أنّك “مانجماتيٌّ” بامتياز، ومنسّقٌ للجهود، وملهمٌ وناصحٌ وموجّه من دون أن تفرض الرأي، وبالتالي قائدٌ بكلّ ما في الكلمةِ من معنى؟
في الختام، أودّ أن أقول أنّ السلطة أو التسلُّط هو أهون أنواع الإدارة. الصعوبةُ تكمنُ في اختيارِك الأدوار الأخرى، وذلك لسببٍ بسيط وهو حتميّة تطويرِ ذاتِك قبل أن تطلب أيَّ نوعٍ من التغيير من أعضاء فريق عملكَ.
سمير قسطنطين – وزنات
عبر إذاعة صوت لبنان
أحدث التعليقات