في كلّ المؤسّسات، خاصّةً كانت أم عامّة، ينتهي في يومٍ من الأيّام عهدُ مديرٍ ليبدأ عهدُ مديرٍ آخر. يحصلُ هذا في الوزارات حيث يُسلِّم وزيرٌ سَلَف مهمّاتَ وزارتِه إلى وزيرٍ خَلَف. ويحدثُ هذا أيضاً في الإدارات العامّة للدولةِ حيثُ تنتهي مدّة خدمةِ مديرٍ عام في وزارةٍ ما لتبدأ خدمةُ مديرٍ عامٍ آخر. وترى الأمرَ نفسه يحصل في الشركات حيث تستغني مؤسّسةٌ ما عن مديرٍ وتأتي بآخر. ويحصل هذا أيضاً في المدارس العامّة والخاصّة، حيثُ يذهبُ مديرٌ ويأتي آخر بعد مرور سنواتٍ عدّة على خدمةِ المدير الأوّل. وفي عالم التربية، ترى هذه الحالة في المدارس الكاثوليكيّة بنوعٍ خاص، إذْ يخدمُ فيها مديرُ مدرسةٍ أو رئيسُها ولايةً من ثلاث سنوات قابلةٍ للتجديد مرّةً واحدةً أو مرّتين أو ثلاث على الأكثر بحسب النظام الداخلي للجهة المالكةِ للمدرسة.

في كلّ رحيلٍ وكلِّ مجيء، تبدو ثقافةُ التسلُّم والتسليم غير واضحةٍ في عددٍ من إدارات هذه المؤسّسات العامّة والخاصّة. فما يحصل هو أنّ الراحلَ قد لا يكون مسروراً بقرار الشركة مثلاً، ولعلّه كان يتوقّعُ أنْ يبقى في منصبِه مدّةً أطول. في المقابل، وفي مرّاتٍ عدّة، يكون الآتي مستعجِلاً لأخذ القرارات التغييريّة. فتراه وقبل أن يُمضيَ مرحلةً من الملاحظة بمعنى الـ Observation، قد بدأ باتّخاذ قراراتٍ بسببِ ما يعتبره ضروراتٍ محتومة للتغيير من شأنها أن تُنقذ المؤسّسة. لا أُريد أن أكونَ ساذجاً وأوحي أنّ الرحيلَ عن موقعٍ ما بعد شغلِه لسنواتٍ طويلة هو بالأمرِ السهل. ولا أُريد أن أقولَ أنّه ليس من ضمن صلاحيّات المدير الآتي أَخْذَ قراراتٍ كبيرة أو صغيرة. هو ببساطة مديرٌ كامل الصلاحيّات، وله كلّ الحق في ذلك.

لكن، ما هو الأفضلُ والأسلم للمؤسّسة وللمديرِ الجديد نفسه؟ الجواب هو أن يجلسَ الراحلُ والآتي معاً ويتحدّثا، ويتبادلا الأفكار، وأن يكونَ الآتي مُصغياً لا متبجِّحاً، سائلاً لا مشكِّكاً، مُستفهِماً لا مُتَّهِماً للفريق الذي عملَ مع السلف عن قرب. ولا ضررَ في أن يُظهر الآتي الاحترامَ والتقدير لمن خدموا في العهد الراحل.

وفي المقابل، من الأسلم للمؤسّسة أن يكون الراحلُ شارحاً لدقائق الأمور لا موجِزاً، ومقترِحاً لا متكتّماً، ومترّفعّاً عن شعورِه الشخصي بالحزن ربّما لا مُنفعِلاً. قد لا يكونُ من السهل جعلَ اجتماعٍ كهذا عفويّاً، أو إزالةَ التوتّر منه. لكنّي أعتقدُ جازماً أنّ المؤسّساتَ أهمّ منّا جميعاً، أكانت عامّة أم خاصّة. فالمؤسّسات التي تخدم الناس، وببساطةٍ كبيرة، هي بحاجةٍ إلى استقرار أي Stability، تماماً كما هي بحاجةٍ إلى تنميةٍ وتغيير. العبقريّة لدى الآتي تكمنُ في كيفيّة الجمع بين هاتين الإثنتين. كذلك، فإنّ أشخاصَ المؤسّسات بحاجةٍ إلى طُمأنينةٍ مهنيّةٍ أي Job Security من دون أنْ تقعَ المؤسّسةُ في خطرِ الموتِ السريريّ أو الموتِ البطيءِ بسبب طُمأنينتِهم على الرغم من عدمِ إنتاجيّتهم أحياناً.

لذا يتطلّبُ الموضوعُ الكثيرَ من الحكمةِ والترفّعِ والموضوعيّةِ في الملاحظةِ، وفهمِ حقيقةِ الأمورِ ومقاربتِها على هذه الأسس. ولا بأَس في أن يعزّز المديرُ الآتي ثقافةَ المساءلة، على أن يُبقي في ذهنِه أنّ له مصلحةً شخصيّةً حتّى في نشرِ الطمأنينةِ إلى جانبِ هذه المساءلة. ففي جوٍّ مطمئنٍّ إلى الإنصاف، يحصدُ المديرُ الجديدُ نتائجَ جيّدةً لمؤسّستِه إذا كان الفريقُ الذي عملَ مع السلَفِ مطمئنّاً إلى التغيير.

المديرُ الجديدُ ليس بحاجةٍ إلى أن يسترضيَ أحداً لكنّه بحاجةٍ إلى أن يضع استراتيجيّةً لربح الجميع من ضمن رؤيتِه لتعزيز المؤسّسة. وأيّ خطوةٍ على خلافِ ذلك، فإنّ المديرَ الجديد سيغامرُ بكلّ إنجازات المؤسّسة ويضعها في مجهولٍ غامضٍ خصوصاً في هذه الأزمنة الصعبة من تاريخ المؤسّسات في لبنان.

أستذكر الآن ما قاله الرئيس برّي أكثر من مرّة: “لو دامت لغيرِكَ ما وَصَلَت إليك”.

سمير قسطنطين – “وزنات”

عبر إذاعة صوت لبنان