المدارسُ أقلعَت، وأقلَعَت معها انتقاداتُ التلاميذِ لمعلّميهم الجُدُد وشكاوى المعلّمين من هذا الجيل. هذه طبيعة اللّعبة. العلاقة باتت أكثرَ صعوبةً من ذي قبل بين الإثنين: المعلّم والتلميذ. الأسباب كثيرة، ولا مجال لتعدادِها هنا، فليسَت هي المقصودة الآن. لكنّ أحدَ الأسباب الرئيسة لتعثُّر العلاقة بين الجهتين، ولا أقول الطرفَيْن، هو صعوبةُ تلبيةِ المعلّم للمفهوم الحديث لدورِه التربوي، وحتميّة تعزيز تأثيرِه المطلوب في حياةِ التلميذ.
في الماضي كان دور المعلّم يقتصر على فعل الـ Inform أي أن يُعطي المعلومة، فهو كان المصدرَ الوحيد للمعلومات في الصف. كان المعلّم بالنسبة للتلميذ هو الموسوعة المتجوّلة أو ما كنّا نسمّيه بالإنكليزيّة الـ Walking Encyclopedia. هذا الدور ما زال قائماً، وأقصد به دورُ مشاركةِ المعلومة. لكنّ المعلّمَ لم يعُد المصدرَ الوحيد للمعلومة، فصديقُنا الـ Google أفسدَ على المعلّم هذا الامتياز وسرق منه هذا الوهج. باتَ الآن نجاحُ المعلّم يتوقّف على مرونةِ انتقاله من مرحلة الـ Inform وإعطاء المعلومة إلى مرحلة الـ Form وتشكيل الشخصيّة. فعندما لا يلقّن المعلم تلاميذَه في الصف تلقيناً بل يعلّمهم كيف يتعلّمون أي Teach The Learner How to Learn، فهو يقومُ بدورِه الثاني أي تشكيل الشخصيّة. وعندما يقسم المعلّم تلاميذه إلى مجموعات ويطلب منهم التفكير بمواضيع مثيرةٍ للجدل، ويختار التلاميذ من بينهم ناطقين بإسم فرَقِهم، فهو أي المعلّم، يكون قد ساهمَ بتشكيل شخصيّاتهم عبر تذويقهم متعةَ العمل الفريقي، وإطلاق مهارات التفكير الخلّاق والنقدي لديهم، ويكون أيضاً قد درّبهم على مهارات الـPublic Speaking عندما ينطقون باسم الفريق. كل هذه المهارات تشكّل شخصيّاتَهم، تزيّنُها، تحصُّنها، تُطلِقُها نحو مستقبلٍ أفضل. فكلُّ هذه المهارات مطلوبةٌ للنجاح في حياتِهم الشخصيّة ومسارِهم المهني.
المرحلة الثالثة والأهم في الدور المتجدّد للمعلّم هو الفعل الثالث Transform أي غيِّر. ببساطةٍ كاملة، فإنّ كلَّ طريقةِ تعليمٍ لا تغيِّر التلميذَ، وتحديداً لجهة تنميةِ مهاراتِه وتشكيلِ شخصيّتِه، يجب أن تتغيّر. المعلّمةُ الصالحة لهذا الزمن هي التي تسألُ نفسها في بداية كلّ سنة وعند وضع مخطّط الدرس أي الـ Lesson Plan الأسئلة التالية: كيف أستطيع أن أُنمّي عند التلميذ مهارات التفكير النقدي من خلال حصّة التاريخ؟ كيف أقدر أن أُنضِج عند التلميذِ مهاراتِ التنظيمِ والتخطيط من خلال حصص الفيزياء؟ ماذا أفعل لكي أُنمّي عند تلميذي مهارات حل المشاكل أي الـ Problem Solving من خلال صف القواعد؟ كل الأسئلة القديمة من مثل “كيف بِتْأكّد إنّو التلميذ فِهِم إسم الفاعل” لم تعُد تكفي.
المعلّم باختصار يمشي مع التلميذ المشوارَ الأهمّ في الحياة، ولعلّه يجعل هذه الرحلة مع التلميذ المسيرةَ الأكثر متعةً إن هو اقتنع أنّ دورَه قد تغيّر، وأنّ زمن الـ Inform قد انتهى، وأنّنا الآن في خضمّ زمن الـ Form أي تشكيل شخصيّته، وكلّ ذلك بهدف الذهاب معاً إلى محطّة الـ Transform بحيث يتغيّر التلميذ إلى الأبد. عندها يصبحُ المتعلّم شخصاً بالغاً لديه من المعارف من جهة، والمهارات من جهةٍ ثانية، ما يكفي ليبدأَ مشوارَ حياتِه الجامعيّة والمهنيّة باستعدادٍ أكبر.
سمير قسطنطين – وزنات
عبر إذاعة صوت لبنان
تفسير يحوي منتهى المنطق… يحتاج الى تدريب وممارسة وإعادة تأهيل لكافة اصحاب المهن التعليمية… خطوة رائعة نحو التغيير والتقدم والراحة النفسية… شكرا جزيلا
شكراً ريما على تعليقك. كل التقدير 🙂