يظهر أُناسٌ كثيرون على الشاشة. يُضجرونك. لا يجذبُك لا كلامُهم ولا منطقُهم ولا حتّى هندامهم. تلتقي في ظرفٍ ما بشخصٍ متعلّم. تخرّجَ من جامعةٍ ذائعة الصيت. يتحدّث إليك ولآخرين. لا “يشبك” معك. ما يقولُه عميق، ولعلّه مهمٌّ أيضاً، لكنّك لا تستطيع أن تُصغي إليه لأكثر من دقائق قليلة.
في المقابل، تلتقي أحدَهم في مناسبةٍ إجتماعيّة. قد يكون متوسّط العلم أو حتّى المعرفة، لكنّه يملك الجاذبيّة وسحر الشخصيّة. هو شخصٌ كاريزماتي. في بعض الأحيان نقول عنه “نَجْمو خفيفْ”. لهذا الإنسان حضورٌ طاغٍ. هو لا يُنسى بسرعة.
الكاريزماتي يستطيع التأثير على الآخرين إيجابًا أو سلبًا بالارتباط بهم جسديًّا وعاطفيًّا وثقافيًّا. لدى الشخص الكاريزماتي القدرة على الإقناع. وهو يستطيع أن يُثيرَ في من حوله الحماس والولاء. يستطيع إلهامَ الآخرين. تراه يتمتّع بالحاسّة السادسة أو ما يُعرف بالحَدْس أو البديهة. الكاريزماتي يستطيع استشعار مشاعر الآخرين ومعرفة ما يحتاجونه. وفي علاقتِه بذاته، هو يستطيع قراءة مشاعره بذكاء ومعرفة ما الذي يُريده بالضبط وماهيّة أهدافِه. كلُّ ذلك يصبُّ في مصلحة قدرتِه على جذبِ انتباه الناس الذين يعمل معهم أكثر ممّا يستطيع سواه فعل ذلك. الكاريزما ليست “حَكْوجيّة” ولا “ديوَنْجيّة” ولا “شَلَمسْطيّة” ولا “كِتِر حكي”. هي قوّةُ حضورٍ وسحرُ جاذبيّةٍ.
كثيرون يعتقدون أنّ الكاريزما تولدُ مع الإنسان، وهو يعيش إمّا كاريزماتيّاً أو فاقداً لها. هذه نصف الحقيقة. صحيحٌ أنّ قدراً معيّنًا من الكاريزما يولدُ معنا، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ الكاريزما، مثلها مثل المهارات، يمكن تنميتها. صحيحٌ أنّ أحدَهم قد يكونُ أكثرَ جاذبيّة من شخصٍ آخر، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ كُلّاً منهما يستطيع أن يطوّر قوة حضورِه وجمال جاذبيّتِه أي الكاريزما الخاصّة به.
كيف تستطيع أن تطوّر الكاريزما في علاقاتك الشخصيّة والمهنيّة؟ قد تستغرب أنّ وسائل التنمية بسيطة وفي متناول يد كلّ واحدٍ منّا ولها طابعٌ سلوكيٌّ يمكنك التحكّم به. كيف أُنمّي الكاريزما إذاً؟
أقدر أن أتقدّم إلى الأمام شوطاً بعيداً في تنمية الكاريزما عندما أُفكّر قبل أن أتكلّم، وأُعاملُ الناسَ كما يحبّون هُمْ أن يُعامَلوا، وعندما لا أُقلّد الآخرين لا في كلامِهم ولا في نوع حياتِهم، بمعنى أن أكون ماركةً شخصيّة لي My Own Personal Brand. كذلك أستطيع أن أنمو في هذا المجال إن كانت لديّ قدرةٌ عاليةٌ على تقبُّل الآخرين عندما يكونون مختلفين عنّي، وقدرةٌ على التحكّم بانفعالاتي وإظهارها بأسلوب إيجابيٍّ يتركُ في الناس مِن حولي تأثيراً تغييريّاً. ولا شكّ أنّ القدرةَ على إدارة الوقت بفعاليّة بهدف تحقيق الإنجاز أمرٌ مساعد. كذلك، فإنّ القدرة على التكيُّف مع الآخرين وإيجاد الحلول العمليّة الذكيّة تساهمان في رفع جاذبيّتي. وتأتي مهارات التواصل لتدعم بشكلٍ كبير منسوب الكاريزما في حياتي ولا سيّما لجهة القدرة على صياغة كلامي بأسلوب جيّد مؤثّر في مَنْ هُم أمامي على اختلاف فئات الناس، والقدرة على التعبير عمّا أُريد بلغة العيون أحياناً دون أن أتكلّم، وامتلاك مهارات الاستماع الجيّد.
لا يخلق الله إنساناً ويظلمُه عبر حرمانِه من الكاريزما. لعلّه يخلق أشخاصاً أكثر كاريزماتيّةً من غيرهم. هذا صحيح. لكنّنا جميعاً نملك القدرة على تطوير سحر جاذبيّتنا وقدرتنا على لمسِ قلوب الآخرين وأذهانِهم … هذا طبعاً إنْ نحنُ أرَدْنا ذلك.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات