تحيّةُ تقديرٍ كبيرةٌ جدّاً في هذا الصباح إلى أفراد الطاقم الطبّي في مستشفى رفيق الحريري، الذين يعملون بصمتٍ حيث هُم، فلا تلفزيونات نقَلَتْ مخاوفَهم، ولا محطّات إعلاميّة كرّمتهم، ولا أثرياء دعموهم، وهُم الذين تعبر عليهم شهورٌ من دون أن يقبضوا رواتبهم. لولا سيّدة إسمها لارا تناقَلت كلماتُها المؤثّرة وسائل التواصل الاجتماعي أمس، من منّا كان يعرف عنهم شيئاً؟! كلماتُها بإسمهم جميعاً بطولةٌ وطنيّةٌ ومقاوَمَةٌ فعّالةٌ عابرة لكلّ لبنان.

وكلمة شكرٍ أيضاً لطلّاب وطالبات كلّية الطبّ في الجامعة اللبنانيّة الذين تطوّعوا للبقاء إلى جانب الجسم الطبّي هناك متسلّحين بقَسَمِ طلّابٍ سبقوهم إلى التخرّج السنة الماضية وفيه: “إذا حلّ وباءٌ أو أيُّ خطرٍ آخر فإني لن أسمح للخوف بأن يدفعَني إلى الفرار من الواجب”.

وكلماتُ شكرٍ صادقة أيضاً وأيضاً إلى رجال وسيّدات الصليب الأحمر اللبناني الذين ينقلون كلّ يومٍ أعداداً متزايدة من مرضى الكورونا أو مرضى محتَمَلين إلى المستشفيات وتحديداً إلى مستشفى رفيق الحريري. في بعض الأيّام يفوقُ عدد الذين يُنقَلون لإجراء الفحص الطبّي الماية شخصٍ. هُم لا يُطِلّون من على أيّ شاشة، ولا يتبجّحون، ولا يقولون شيئًا. صامتون هُم حتّى هزّ الضمائر والمشاعر.

هؤلاء الرجال والنساء، الذين وضعوا أنفسهم طوعاً واختياراً على خطّ تماسٍ مع خطرٍ حقيقيٍّ، أليسَ لديهم أهلٌ يقلقون عليهم؟ أليس لهم زوجات وأزواج وأولاد وأحبّاء “عايشين على أعصابُن” بسبب الخطر الذي يتعرّضون له هناك؟ أليست لديهم حياة خاصة يريدون أن يحيوها باطمئنان مع من يحبّون؟ ألا يحقُّ لهم أيضاً الحجر الطوعي المنزلي خوفاً على حياتهم؟ طبعاً بلى وألف بلى. لكنّهم اختاروا أن يكونوا رُسلاً للمواطنة الحقّة. من منّا يريد بعد الآن أن يعرفَ ما إذا كانوا شيعةً أم سنّةً أم روم أرثوذكس؟! بلاهةٌ في مواطنيّتنا تفضحها تضحياتٌ من درجةِ “مواطن ذهبي”.

يا ليت الشاشات تعطي هؤلاء فرصةً ولو صغيرة لكي يشاركونا بقصص نجاحٍ Success Stories حول تغلّبهم على خوفهم، ولكي نتعلّم منهم كيف ساندوا الضعيف في وقت شدّته، ولكي يعلّمونا أنّهم هناك لم يفرّقوا بين مريضٍ آتٍ من إيران وآخر جاء من إيطاليا، ولكي يقولوا لنا أنّ الوطن غالٍ، وأنّ حُبَّه يكون بالعمل والتضحية، وأنّ المواطنين متساوون في بلادي على الأقل في الخطر والقلق.

في هذا الزمن الذي تحوّلنا فيه جميعاً إلى محلّلين “كورونيّين”، وفي الوقت الذي تفتح فيه الشاشات نوافذها لكلّ الذين انتقلوا من مرحلة التوعية الحتميّة إلى مرحلة “تفزيع” الناس وإرعابهم، وتدمير الاقتصاد ولو عن غير قصد، يبقى هؤلاء الأبطال والبطلات عنواناً كبيراً للوطنيّة الحقّة … والغريب المُخجِل في الموضوع أنّهم جميعاً ينتمون إمّا إلى فئة المتطوّعين من دون مقابل، وإمّا إلى فئة الذي لا يقبضون رواتبهم بشكلٍ كريم. كم يبدو كثيرون من أصحاب القوّة الوهميّة صغاراً أمامهم!

سمير قسطنطين