صباح الخير

منذ أسبوعين وابنكما الذي هو بمثابة ولدي لا يأتي إلى المدرسة. الكورونا عوّقَتْني عن أجمل لقاء يوميٍّ في حياتي … مع تلاميذي، أولادي. أحاول أن أتواصل مع ابنكما ورفاقه عبر موقع المدرسة لأشرح لهم بعضاً من دروسهم، ولأطلب منهم عملاً تربويّاً منزليّاً يوميّاً. لكن هذا لا يكفي. الزمن الصعب فرض علينا حجراً منزليّاً وسط ظروفٍ مقلقة.

الذي أطلبه في رسالتي لكما هو أن تعاملا ولدي بينكما بالطريقة التي يستحقّها. إنّي واثقةٌ بأنّكما لا تريدان أن تلوماه إن هو تأخّر بعض الشيء في تتميم الفرض البيتي. الظرف صعبٌ عليه كما هو علينا. لا تعتقدا أنّ ولدكما ليس عرضةً للقلق. قد تظنّان أنّ ولدكما فرِحٌ بالعطلة، “وإنّو ما عَ بالو بال”، لكن العكس قد يكون الصحيح. لعلّه سُرَّ بالعطلةِ القصريّة في بدايتها، لكنّه الآن قلِقٌ. أعتقد أنّكما لا تريدان أن تقولا له كلمات من مثل: “ما بدّك تدرس لأنّك بدّك تضل تلعب وتلتهي على الـ PS4”. تذكران طبعاً عندما كُنتما تنصحاني وزميلاتي في لقاءاتنا في المدرسة حين كانت الأمور طبيعيّةً، ألا نوجّه إلى ولدكما أيّ نوعٍ من اللّوم لأنّ ذلك يضرّ ببُنيَتِه النفسيّة وكُنتما على حق.

أيضاً أرغب في أن أُشجّعكما على ضبط أعصابكما عندما تشعران بغضبٍ كبيرٍ تجاهه. عندما يكون الطفل “مزروباً” غصباً عنه يتوتّر، ويزداد التوتّر مع مرور الوقت. قد لا يعرف هو سبب هذه المشاعر السلبيّة، لكنّ سلوكَه يدلّ على أنّه غير مرتاح. هذا الوضع قد يستفزّ الأهل أحياناً، وفي لحظات الذروة، قد يلجأ الأهل إلى “كفٍّ” من هنا أو صراخٍ من هناك لتهدئة الطفل. لكنّي أظن أنّكما لن تُقدِما على عملٍ مثل هذا. لا أخالَكما تريدان “إنّو تمدّوا إيدكن” على إبنكما، وأسمح لنفسي أن أُذكرّكما أنّه ولدي أيضاً. إنّي لواثقةٌ بأنّكما لن تسمحا لأيّ عنفٍ جسدي أو لفظي أن يتسلّل إلى علاقتكما به في هذه الأيّام بالذات، خصوصاً وأنّه منذ 17 تشرين الأوّل يعيش ظروفاً تفوق بساطته بكثير. فَرِفقاً به أرجوكما أن تمتَنِعا عن ذلك. لا أزال أذكر ذاك اليوم الذي أتيتُما فيه إلى المدرسة وتحدّثتُما معي غاضبَين عن زميلةٍ لي، وكنتُ في حينه المسؤولة بالوكالة عن القسم ريثما تعود رئيسة القسم الأصليّة من إجازة الأمومة. أذكرُ كيف قلتُما لي يومها أنّ “دموازيل” لميا عنّفَت إبنكما في اليوم الذي سبق وقالت له: “شكلَك مِش عم تفهم عليّ” وأردفَت قائلةً: “ما بعرف وين مضيّع عقلاتك اليوم”. طبعاً اعتذرتُ عن تصرّف الآنسة لميا ووبّخناها، وطمْأَنتكما أنّ هذا الأمر لن يتكرّر. لذا أخالكما تمتنعان الآن، وابنكما في البيت منذ أسبوعين، عن توجيه أيّة كلمة قاسية له. بطبيعة الحال، فإنّي أعتبره “تحصيل حاصل” أن الضرب في بيتكم غير موجود.

كذلك أودّ أن أطمئنَّ أنّكما تمضيان مع ولدي الذي هو إبنكما أوقاتاً قيّمة Quality Time. أُريد أن أتخيّلكما وقد جلستُما وقت الظهر إلى الطاولة لتناول الغداء معاً، ولا أتخيّلكما مقصّريَن في تحقيق هذه العادة عند حلول المساء ووقت العشاء. أذكر جيّداً تلك الأمسية في ليلةٍ “كانونيّةٍ” ماطرة حين أتيتُما إلى اللقاء الدوري بين الأهل والمعلّمين والمعلّمات. قُلتُ لكما يومها أنّ ابنكما يحتاج إلى أن تمضيا معه وقتاً أطول. جاء كلامي حينها ردّاً على شكواكما من أنّ ولدكما يُمضي أوقاتاً طويلة على الـ IPad والـ PS4. سألتَكُما يومها عن الوقت الذي تمضيانه معه، وما إذا كان في عائلتكم وقتٌ في المساء مخصّص للقاء أفراد العائلة. أذكر أنّك وأنتَ والدٌ قلتَ لي: “إنّي أُنهي عملي في الساعة الثامنة مساءً وآتي إلى بيتي منهَكاً غير قادر على فعل شيء سوى تناول العشاء ومن ثمّ النوم”. وعندما تلفتُّ إلى الوالدة قالت لي: “أُنهي عملي في البنك الساعة الخامسة والنصف. أصل إلى البيت في السادسة والنصف، وأُدرّس الأولاد، وحينما أنتهي من التدريس تكون أعصابي قد انتهت أيضا، لذا لا وقت لديّ لذلك. أُحاول أن أُعوّض في الويك إند”. طبعاً كنتما صادقَين. الآن فَرَضَ الحجْر المنزلي نفسه علينا جميعاً. وقد مدَّدَت جمعيّة المصارف الإقفال حتى نهاية الشهر. أنا واثقة أنكما ستستفيدان من هذه العطلة القسريّة لتمضيا وقتاً أطول مع ولدكما وكم هو بحاجةٍ إلى ذلك. أُريد أن أتخيّلكما تلعبان معه ألعاباً تحرّك ذهنه، ولم لا تكون هناك بعض “الحزازير” الذكيّة الخلّاقة، وإذا سمح الوقت للّعب بطابةٍ صغيرة داخل المنزل، فلا بأس أيضاً بذلك.

لعلّي أطلتُ الكلام لكنّ الموضوع يهمّني ويهمّكما. عسى أن نلتقي قريباً في المدرسة، وأجتمع إلى إبنكما ورفاقه في المكان الطبيعي … الصف. لقد اشتاقت قاعته لنا جميعاً.

سمير قسطنطين