يزعجُني كلام السياسيّين عن الكورونا في كثيرٍ من الأحيان. فهذا سياسي يُعطي تصريحاً عن عدد الإصابات في منطقته. لم أعرف من قبل أنّه يأتي من عالم الإحصاء. “كان بَسْ ناقص يخبّرنا” عن الـ Variance والـ Median وما إذا كان الوضع يشبه الـ Normal Distribution في عالم الـ Statistics أم لا. ألا يكفي ما توزّعه وزارة الصّحة يوميّاً من معلومات؟ وذاك سياسي يُعلِمُنا كيف تسلّلت الإصابة بالكورونا إلى مُصابٍ في منطقتِه. يشرح لنا ذلك بالتفصيل الممل. تخاله خرّيج كلّية الصحة العامة وقد فاتَتْنا هذه الحقيقة لسنين طويلة. من قال لكَ يا صديقي أنّ موضوع كيفيّة انتقال العدوى يهمُّنا؟! وثالثٌ ينصح مناصريه بغسل الأيدي والتعقيم. “عن جَدْ يعني”؟ ألا تكفي آلاف الرسائل بهذا الخصوص على وسائل التواصل الاجتماعي؟ قد تقول لي أنّ المناصرين، إذا سمعوك، سيأخذون الأمر على محمل الجدِّ أكثر. ممتاز، علماً وإن كان هذا هو التخلّف بعينه، إنّما لا بأس من أجل سلامة المجتمع. لكن لمَ لا تختار أن تتواصل معهم من خلال رسائل الواتساب المباشرة على هواتفهم الشخصيّة؟ سياسيٌّ رابع يسجّل رضاه عن تعاطي الحكومة مع فيروس الكورونا، لكنّه يريد أن يعتبَ عليها في موضوع إطالة أمد فتح المطار أمام الطائرات التي أتَتْ من إيران. “هودي منَعْرفْهن”. لا يحتاج هكذا كلام إلى تدخّلٍ مباشر من رئيس حزبٍ، فهذا رأيُ كثيرين من الناس، وهذا الكلام هو لزوم ما لا يلزم في هذا الزمن الذي يجب أن يبقى بعيداً عن “تنمير” السياسيّين على بعضهم البعض. سياسي آخر يعقد مؤتمراً صحافيّاً ليقول لنا ما ندركه جميعاً. في الحقيقة، لا داعي للتفتيش عن أدوارٍ مَلَّها الناس. سياسي سادس يقدّم لنا بلاغاً يوميّاً “من غير شر” عن وضع الكورونا في منطقته، مفصّلاً نوعيّة الإصابات، فهذا مُصابٌ جاء من خارج المنطقة، وذاك مصابٌ من قلب المنطقة، وكأنّه يقسم الناس على طريقة لعبة “أبطال – حراميّة”. ويطلع سياسيٌّ سابع فيضع إمكانات حزبه في تصرّف وزارة الصحّة. وماذا يعني ذلك عمليّاً؟ إذا لم تتبرّع “حضرتك” لمستشفى رفيق الحريري أو للصليب الأحمر اللبناني بجزءٍ ممّا أنعم به الله عليكَ، أو بما أنعمتَ أنتَ به على نفسِك من جيوب الناس، فمن الأفضل أن تبقى صامتاً. ثمّ يأتيك سياسيٌّ آخر على صهوة جواد واعظاً الناس: “لا داعي للهلع”، لكن معظم تصريحاته تدعو الناس للهلع لا للوقاية فحسب. ويطالعكَ في نهاية المطاف سياسيّون من كلّ حدبٍ وصوبٍ يصدرون بياناتٍ تدعو الناس للحجر المنزلي. “عن جَدْ يعني”؟!
التفتيش عن الأدوار، ولو وهميّة وصغيرة، ليست من سمات رجال الدولة ولا من صفات القادة الذين هُم حقّاً Leaders. هذا يعكس أمراً واحداً هو أنّهم بعد 17 تشرين الأوّل، وبعد الكورونا، اكتشفوا كم تغيّرَت أمزجة الناس والأولويّات عند الناس في لبنان، وكم أصبح البقاء أحياء أي الـ Survival، هو الهمّ الأوّل عند الناس. لم يُدرك بعض السياسيّين بعد أنّ الناس هذه الأيّام تثق بالفريق الطبّي لمستشفى رفيق الحريري وأفراد الصليب الأحمر اللبناني ومؤسّسة الجيش أكثر بكثير مّما تثق بما يقوله قسمٌ كبير من المُتعاطين بالشأن العام.
لو كُنتُ مكانهم لاكتفيتُ بفعلِ ثلاثة أمور لا غير. أوّلاً، كُنتُ حثَّيْتُ مناصرين من حزبي على التطوّع في القرى والبلدات لإيصال الأكل والدواء إلى بيوتِ المسنّين، وذلك من دون كاميرات وانتهاك لخصوصيّات من هُم في خريف العمر. وثانياً، كُنتُ ساهمتُ من خلال المناصرين بحملات التعقيم في القرى بإشراف البلديّة التي أنتمي إلى نطاقها “من دون ما إفتح عَ حسابي” بالمزايدات. وثالثاً وأخيراً، كُنتُ جمعتُ تبرّعات سخيّة منّي ومن المناصرين، وقدّمناها إلى مستشفى رفيق الحريري والصليب الأحمر اللَّذّيْن ينطبق عليهما المثل القائل: “ما في بالميدان إلّا حْدَيدان”.
وما عدا ذلك، أود أن أتوجّه إلى الباحثين عن أدوارٍ غير مهمّة في أزمةٍ عالميّة غير مسبوقة لا يعرف مداها إلّا الله، أتوجّه إليهم بالهاشتاغ الذائع الصيت في هذه الأيّام: “خلّيك بالبيت”. لا داعي للعراضات على قاعدة “إنّو نحنا هون”. قال “أمير المؤمنين” علي بن أبي طالب: “رحم الله امرءاً عرف حدّه فوقفَ عنده”.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات