سبعةُ أيّامٍ فَصَلَت “سبت لعازر” عن “سبت النور”. في هذا الأسبوع حصلت أحداثٌ وأُعلنَت مشاعر واتُخِذّت مواقف.

في هذا الأسبوع خوارق للطبيعة. ظلمةٌ على الأرض من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة، وإنشقاقُ حجابِ الهيكل. كذلك “زَلزَلَتْ الأرض وتصدعت الصخور، وتفتحت القبور” فور تسليم المسيح الروح.  كذلك كان زلزالٌ سبق القيامة عندما “جاءت مريم المجدليّة ومريم الأخرى تنظران القبر. فإذا زلزال شديد قد حدث”.

في هذه الفترة، قادةٌ عسكريّون يظهرون على الساحة مثل قائد المئة الروماني الذي اعترف لاحقاً “كان هذا حقّاً إبن الله”. وتبرز أدوارٌ لقادةٍ دينيّين مثل حنّان وقيافا “عَظِيمُ الأَحْبَارِ في تِلْكَ السَّنَة”، وقادةٍ سياسيّين من بيلاطس البنطي إلى هيرودس.

في الأسبوع العظيم أيضاً بكاء: بكَت مريم عند أقدام يسوع حين توفّي أخوها إذْ “َعِنْدَمَا وَصَلَتْ،‏ رَكَعَتْ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوع وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَتَوَقَّفَ عَنِ ٱلْبُكَاءِ”. كذلك بكى المعلّم على لعازر، وبكى على أورشليم “قاتلةَ الأنبياء وراجمة المرسلين إليها”، إذْ وهو في طريقه إلى أورشليم “ولما اقترب فرأى المدينة بكى عليها”. كما بكتَ النسوة عليه بعد الصلب إذ “كُنَّ يَضربنَ الصُّدورَ ويَنُحنَ علَيه”. وقبل إدراكها القيامة، بكَت مريم: “أما مريم، فكانت واقفة عند القبر في خارجه تبكي. فانحنت نحو القبر وهي تبكي”.

في الأسبوع العظيم رجالٌ مجهولون ونساءٌ غير معروفات. رجلٌ كان يحمل جرّة ماء دلّ التلاميذ إلى العليّة. لا نعرف من هو. وفي التحقيق مع يسوع عند عظيم الكهنة “مَثلَ آخر الأمر شاهدان. فقالا: هذا الرجل قال إني لقادر على نقض هيكل الله وبنائه في ثلاثة أيام”. لا نعرف من هما. وعندما كان بطرس يستدفئ، نكر معرفته بالمسيح أمام جاريتَيْن مجهولتَي الهويّة ومن ثمّ أمام جمعٍ. كان هناك أيضاً لصّان مجهولان، لا هويّة معروفة لهما، واحدٌ صُلِبَ عن يمينه وآخر عن يساره.

وكان أيضاً هناك رجالٌ معلومون اجتمعوا لتتميم ما كُتِب. سمعان “وهو رَجُلٌ قِيرينيٌّ كانَ آتِياً مِنَ الرِّيف، فجَعَلوا علَيهِ الصَّليبَ لِيَحمِلَه”. وكذلك يوسف الرامي الذي جاء “وهو عُضْوٌ في المَجلِس، وامرُؤٌ صالِحٌ بارٌّ  …. فذَهَبَ إِلى بيلاطُس وطلَبَ جُثْمانَ يسوع”. ونرى نيقوديمس من جديد الذي جاء “وهو الذي ذهب إلى يسوع ليلا من قبل، وكان معه خليط من المر والعود” وذهب لوضع الطيوب على الجثمان. المجهولون والمعروفون تمّموا التاريخ الذي كُتِب ولعلّهم لم يُدركوا ذلك.

بين السبتَيْن قبران: قبرُ لعازر وفيه راقدٌ لأربعةِ أيّام، وقبر يسوع وفيه قائمٌ من الموت بعد ثلاثة أيّام. مسكينٌ يهوذا لم يُعرف أين موضع قبرِه.

بين “سبت لعازر” و”سبت النور” مشاعر كثيرة. مشاعر الفرح في الطريق إلى أورشليم حين “أخذ جماعة التلاميذ كلها، وقد استولى عليهم الفرح، يسبحون الله”. شعور الحزن كان حاضراً عند التلاميذ في أكثر من موقع. بدا في العليّة وهم يأكلون. فعندما قال لهم: “الحق أقول لكم إن واحدا منكم سيسلمني … حزنوا حزنا شديدا”، وفي بستان الزيتون أيضاً عندما كان يصلّي “فوَجَدَهم نائمينَ مِن الحُزنْ”. كذلك كان الحزن رفيق يسوع في تلك الأيّام. فعندما “جاء يسوع معهم إلى ضيعة يقال لها جتسمانية … مضى ببطرس وابني زبدى، وجعل يشعر بالحزن والكآبة”. كذلك كان عند التلاميذ شعورٌ بالنعاس: “ثم رجع فوجدهم نائمين، لأن النعاس أثقل أعينهم”. ونلاحظ شعور هيرودس بالسرور إذ “رأَى هيرودُسُ يسوع سُرَّ سروراً عَظيماً، لِأَنَّه كانَ يَتَمَنَّى مِن زَمَنٍ بَعيدٍ أَن يَراهُ”. وكذلك كان شعور التفجّع عند الجماهير بعد انتهاء عمليّة الصلب: “كذلِكَ الجَماهيرُ الَّتي احتَشَدَت، لِتَرى ذلِكَ المَشهدَ فعايَنَت ما حَدَث، رَجَعَت جَميعاً وهي تَقرَعُ الصُّدور”.

لم تكن هناك مشاعر معلنة وحسب، بل كانت هناك مواقف داخليّة أي Attitudes وهي غالباً ما تكون أقوى من المشاعر أو محفّزٍ لها. كان واضحاً موقف العتب عند مريم ومرتا لأنّ المعلّم تأخّر، حين قالت له مرتا “يَا رَبُّ،‏ لَوْ كُنْتَ هُنَا،‏ لَمَا مَاتَ أَخِي”.‏ بطرس تولّد لديه موقف الندم Regret Attitude عندما نكر المسيح “فخرج من ساحة الدار وبكى بكاء مرا”. وموقف الهزء عند الرؤساء الذين رأوه معلّقاً: “ووقَفَ الشَّعْبُ هُناكَ يَنظُر، والرُّؤَساءُ يَهزَأُونَ”. أيضاً كان واضحاً موقف التهكّم والسخرية إذ “بعد ما سخروا منه نزعوا عنه الرداء”. وموقف التعيير رافق اللصّيَن: “وكان اللصان المصلوبان معه هما أيضا يعيّرانه”.

بين السبتَيْن كان هناك بعدٌ وابتعاد. في البداية وبعد اعتقاله على الفور “تبعه بطرس عن بعد إلى دار عظيم الكهنة”. عند الصليب، “وَقَفَ عن بُعدٍ جميعُ أَصدِقائِه والنِّسوَةُ اللَّواتي تَبِعنَهُ مِنَ الجَليل”.

في الأسبوع العظيم أصواتٌ كثيرة عالية. حين دخل الرَّبُّ يسوع المدينة المقدّسة أورشليم، استقبله أهلها استقبال ملكٍ عاد منتصرًا، إذ فرشوا ثيابهم أمامه في الطّريق، وحملوا سعف النّخل مهلّلين ومرنّمين:
“هوشعنا لابن داوود، مبارك الآتي باسم الرَّب”. أهازيج الأطفال ملأت المكان. لكنّ صوت الأهازيج العالي انقلب صراخاً وصياحاً. الشعب أمام بيلاطس كان صارخاً: “فصاحوا بِأَجمَعِهِم: أَعْدِمْ هذا وأَطلِقْ لَنا بَرأَبَّا”. وحين حاول بيلاطس ثنيهم عن فعل ذلك قائلاً “ماذا أفعل بيسوع الذي يقال له المسيح”؟ … “بالغوا في الصياح: ليصلب”! كذلك عند بيلاطس يصرخ الشعب “ليكن دمه علينا وعلى أولادنا”.

في هذا الأسبوع مخاوف من كلّ نوعٍ: “الأَحْبَارُ وَالكَتَبَةُ يَبْحَثُونَ كَيْفَ يَقْضُونَ عَلَى يَسُوع، لأَنَّهُم كانُوا يَخَافُونَ مِنَ الشَّعْب”. التلاميذ بعد الصلب خائفون حيث كانوا “في دار أغلقت أبوابها خوفا من اليهود”. يوسف الرامي خاف أيضاً: “وبعد ذلك جاء يوسف الرامي، وكان تلميذا ليسوع يخفي أمره خوفا من اليهود”. لكنّه تجرّأ على طلب الجثمان. كذلك الخوف كان ممزوجاً بالفرح وقد اختبرته مريم المجدليّة ومريم الأخرى بعد القيامة حين “تركتا القبر مسرعتَين وهما في خوف وفرح عظيم”.

في هذا الأسبوع عسكرٌ ومسلّحون من كلّ نوع: عصابةٌ تُلقي القبض على يسوع “وبَينَما هو يَتَكلَّم إِذا عِصابَةٌ يَتَقَدَّمُها المَدعُوُّ يَهوذا”. كذلك كانت كتيبة من الجيش الروماني بأكملها حين”مضى جنود الحاكم بيسوع إلى دار الحاكم وجمعوا عليه الكتيبة كلها”. كذلك رأينا جنوداً يكسرون أرجلَ اللِصّين، وحرّاساً لدى اليهود ليحرسوا القبر.

بين “سبت لعازر” و “سبت النور”، نعوتٌ أُطلِقت على المسيح:

نعتُ “المضلّل” كما وصفه الأحبار لدى بيلاطس، و”المفتِن” حين “قامَت جَماعتُهم كُلُّها فساقوه إِلى بيلاطُس أَخذوا يَتَّهِمونَه قالوا: وَجَدْنا هذا الرَّجُلَ يَفتِنُ أُمَّتَنا”. وكذلك لقب “البريء” في حديث بيلاطس مع اليهود حيث قالَ لَهم ثالثةً. “فأَيَّ شَرٍّ فَعَلَ هذا الرَّجُل؟ لم أَجِدْ سَبَباً يَستَوجِبُ به الموت”. لكنّ النعت الأفضل، أي “البار”، جاء من زوجة بيلاطس التي “أرسلت إليه … تقول: دعك وهذا البار، لأني عانيتُ اليوم في الحلم آلاما شديدة بسببه”.

بين السبتَيْن أيّامٌ مميّزة وأعياد: يوم التهيئة، يوم الفطير، وعيدُ الفطير الذي هو عيد الفصح.

بين بداية الأسبوع ونهايته أسلحةٌ ووسائل عنف: سيوفٌ وعصي توجّهوا بها إلى يسوع في البستان “خَرَجتُم تَحمِلونَ السُّيوفَ والعِصِيّ”، سيفٌ ضرب به بطرس “خادِمَ عَظيمِ الكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذُنَه اليُمْنى”، وحربةٌ يُطعنُ فيها بجنبه، وسوط لجلد المسيح عند بيلاطس “فأطلق لهم برأبا، أما يسوع فجلده”، وإكليلُ شوكٍ حيث “ضفروا إكليلا من شوك ووضعوه على رأسه”.

في هذا الأسبوع دماءٌ: في البستان وهو يصلّي “وصارَ عَرَقُه كَقَطَراتِ دَمٍ مُتَخَثِّرٍ”، ودمٌ وماءٌ سالا في الحال عند طعنه بالحربة.

في الأسبوع العظيم اعترافاتٌ مذهلة بمعنى الـ Recognition: اعترافٌ بأنّ يسوع لم يفعل شيئاً من اللص، واعترافٌ ببراءة دم المسيح من بيلاطس “لقد أسلمتُ دماً بريئاً”. واعتراف من قائد المئة الذي كان موكلاً حراسة يسوع مع الجنود: “فإنهم لما رأوا الزلزال وما حدث، خافوا خوفا شديدا وقالوا كان هذا ابن الله حقا”. اعترافاتٌ ونكرانٌ أيضاً. ثلاث مرّات قبل صياح الديك يُنكر بطرس المعلّم.

بين سبت لعازر و”سبت النور” أكثر من ساعة: ساعة العشاء الأخير، “ولَمَّا حَانَتِ السَّاعَة، ٱتَّكَأَ يَسُوعُ وَمَعَهُ الرُّسُل”، وساعة تسليم إبن الإنسان “رجع إلى التلاميذ وقال لهم: “ناموا الآن واستريحوا. ها قد اقتربت الساعة التي فيها يسلم ابن الإنسان”، وساعة دهمه في البستان “كُنتُ كُلَّ يَومٍ مَعَكم في الهَيكَل، فلَم تَبسُطوا أَيدِيَكُم إِليَّ، ولكِن هذه ساعتُكم”.

بين السبتَيْن عدّة منزل: جرّة ماء يحملها رجلٌ منها عرف بطرس ويوحنّا مكان العشاء، وكأسٌ فيها خمرٌ طلب المعلم من التلاميذ طلباً بشأنها ” ٱقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُم”، وخبزاً أَخَذَه “وَشَكَرَ، وَكَسَرَ، وَنَاوَلَهُم”، ومائدةً جلس إليها الجميع حتّ يهوذا “هَا هِيَ يَدُ الَّذي يُسْلِمُنِي مَعِي عَلى المَائِدَة”.

بين “سبت لعازر” و”سبت النور” ستّة مشاهد من محاكمة يسوع: محاكمة أمام حنان، محاكمة أمام قيافا كبير الكهنة، محاكمة أمام المجلس الأعلى لليهود، محاكمة أمام بيلاطس أعلى سلطة رومانية، محاكمة أمام هيرودس حاكم الجليل آنذاك، وأخيراً محاكمة ثانية امام بيلاطس.

بين السَبتَيْن تعبيرٌ عن أذيّة تجاه المعلّم تتصاعد مع كلّ محاكمة: بدأ بصفعة من أحد الخدم في المشهد الأول عند حنّان، ليتدرج الى الصلب في المشهد السادس بعد محاكمة بيلاطس الثانية، مروراً بالبصق والشتم والجلدأمام بيلاطس وهيرودس.

بين السبتَيْن صمتٌ وصمتٌ وصمتٌ: توالت الأسئلة من عظماء الكهنة الذين شاركوا بيلاطس في الاستجواب، “ولكن يسوع أخلد الى الصمت”. وأمام هيرودس لم يكن المشهد أفضل. هيرودس “كان يأمل ان يرى منه آية يصنعها فكان يسأله بكلام كثير، اما هو (يسوع) فلم يجبه بشيء”.

لكن بين “سبت لعازر” و”سبت النور”، وبعد كلّ ما حصل من أحداثٍ وبدا من مشاعر ومواقف داخليّة، وظهر من أسلحة وعسكر. بعد كلّ ذلك كان الحدث الأبرز في تاريخ البشريّة … الخلاص … الخلاص لنفوسنا ونفس كلّ كائنٍ بشري. وعليه، المسيح قام حقّاً ونحن شهودٌ على ذلك.

سمير قسطنطين