قبل ستّة أشهر بالتمام والكمال اندلعت ثورة 17 تشرين الأوّل. بعد أسابيع على بدء حراك الشارع لاحَت في الأفق بوادر أزمةٍ ماليّة نقديّة إقتصاديّة. وقبل شهرين من اليوم، زارتنا جائحة الكورونا بدون دعوة، واجتاحتنا على غفلةٍ منّا.
ثلاث محطّات أساسيّة في نصف سنةٍ من الزمن فعَلَت ما فعلَتْهُ فينا أفراداً وعائلات ومؤسّسات. قيل الكثير في الأسباب والنتائج، لكنّي أودّ اليوم أن أتوقّف أمام العبارات والمصطلحات التي تردّدت بشكلٍ كثيف في هذه الفترة. بعض هذه العبارات كُنّا نعرفها من قَبِل وإن كان تداولُها محدوداً. وبعض هذه العبارات استعملناها في الأشهر الأخيرة للمرّة الأولى منذ زمنٍ بعيد.
في مرحلة 17 تشرين إستعمل الناس عبارات كُنّا نعرفها لكنّنا لم نستعملها كثيراً من مثل: ثورة، ثوّار، أيقونة الثورة، قبضة الثورة، عروس الثورة في إشارةٍ رمزيّة إلى طرابلس، الثورة أنثى، ثورة جياع، انتفاضة، حراك، إسقاط النظام، التغيير، الفساد، حكم الفاسد، منظومة الفساد، “سلميّة سلميّة”، قانون العفو العام، شارع ضد شارع، محاسبة، رموز سياسية، هرج ومرج، وكر وفر.
وكذلك ردّد الناس عبارات جديدة مثل الشعارات الشهيرة “هيلا هيلا هو”، و”كلّن يعني كلّن”، و”الطريق مقطوعة يا حلو”. كما ردّدوا مصطلحات أخرى جديدة مثل: الـ Human Chain، الأوليغارشيّة، “حكم المصرف” في إشارةٍ إلى حاكميّة مصرف لبنان، لا ثقة، أنا خط أحمر، انتخابات مبكرة، “حزب يركب الثورة”، سقط الخوف، “لا شرعية”، البثّ المباشر، “إنتَ ع الهوا”، وعبارة “برّا برّا” التي التي لعلَعتْ عندما خرج الرئيس الأسبق للحكومة فؤاد السنيورة من الأسمبلي هول. ولا ننسى عبارة “ما خلونا” الشهيرة وزميلتها “مش نحنا، هنّي”.
في مرحلةٍ ثانية، جاءت المخاوف الماليّة على الودائع. وبدأنا نسمع عباراتٍ جديدة استعملها الشعب اللبناني للمرّة الأولى من مثل: اليوروبوند، صغار المودعين، Haircut،Capital Control ، Bail In،Bail Out ، Fresh Money. في كلّ حياتنا لم نسمع هذه العبارات. كذلك تردّدت في تلك الفترة ولم تزل عباراتٌ قديمة جديدة من مثل: السريّة المصرفيّة، الانهيار، إستعادة الأموال المنهوبة، صندوق النقد الدولي، حكومة تكنوقراط، حكومة تكنو-سياسيّة، السيولة، تحويلات مصرفيّة مشبوهة إلى الخارج، والـ ATM مع إشارةٍ مضحكة للعبارة هي “أفيكش تسحب مصاري”.
المرحلة الثالثة والأخيرة من هذه المراحل هي مرحلة الكورونا. وفيها بتنا نسمع عباراتٍ جديدةٍ بالكامل من مثل: كورونا، كوفيد 19، الوباء Epidemic، الوباء العالمي Pandemic، الجائحة، المناعة، العزل المنزلي، الحجر المنزلي، الحجر الصحّي في المستشفى، التباعد الاجتماعي، التعبئة العامّة، المختبر، الكشوفات الطبّية اللازمة، الفحص المخبري، فحص الـ PCR، أعراض الإصابة، عدّاد الإصابات، حالةٌ إصابتُها مؤكّدة، حالة مشتبه في إصابتها، حالة وضعها حرِج، حالة إيجابيّة، حالة سلبيّة، حالة مستقرّة، الإقامة تحت منطقة الحجر الصحي المنزلي، Peak of the Curve، فيروس، الفيروس المستجدّ، العزل الكامل، جهاز التنفّس، “مناعة القطيع”، “خلّيك بالبيت”، دواء الـ Hydroxychloroquine، ووحدة العزل. وتردّد كثيراً إسم الطبيب الفرنسي البروفسور راوول، كما تردّدَت عبارات كُنّا نعرفها لكنّنا كُنّا نستعملها بطريقةٍ مختلفة عن استعمالات هذه الأيّام من مثل: نظريّة المؤامرة، التقرير اليومي، كمّامة، القناع، معقِّم، مطهِّر، “كفوف”، منظّمة الصحّة العالميّة، الطاقم الطبّي، وفيّات، خطّة إستباقيّة، تجهيز مستشفى حكومي، الكشوفات الطبّية اللازمة، حالات شفاء، مصافحة اليد، والـ Contamination، وأخيراً “مِفرِدْ ومِجْوز” للتخفيف من زحمة السير.
وبسبب ارتباط الوباء بإقفال المدارس، صرنا نستعمل مصطلحاتٍ من مثل: التعلّم عن بُعد، الـ eLearning ، Online Courses، الصف الافتراضي أو الـ Virtual Classroom، والـ Moodle. ولأنّ الكثيرين أضطرّوا للبقاء في البيت والعمل من هناك، بتنا نستعمل عبارات جديدة من مثل: Work From Home، Virtual Teams، والعبارتين اللتين تدلّان على التكنولوجيا المستعملة الآن بكثافة من مثل: Zoom، والـ Webbex، وما شابههما.
وبسبب تراجع حدّة التلوّث في العالم أجمع لأنّ الناس تعيش في الحجر، دخلت عبارات متجدّدة إلى قاموس حياتنا من مثل: World is Breathing، والـ Ozone Layer Healing.
المؤسف المحزن أنّنا في هذه المراحل الثلاث المتداخلة في الزمن والوجع والضحايا، هناك عبارة واحدة لم نسمعها وهي “أنّ فاسداً واحداً من الدرجة الخامسة في سلّم الفساد أصبح وراء القضبان”.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات