رياض سلامة إسمٌ على كلّ شفةٍ ولسان. هو حديث الموسم، والحديث عنه “ملّيق”. الكلام عنه سوريالي وشاعري في آن. رياض سلامة بدا هذا الأسبوع رحبانيّ الهوى، فكانَ مثل “راجح الكذبة” في “بيّاع الخواتم”، في جمهوريّةٍ زعماؤها “ناس من ورق”، ويصرخ فيها الناس: “يعيش يعيش.”

الكلام عن رياض سلامة يشبه الكلام الذي سمعه جيل والدي عن يوسف بيدس، وأبناء جيلي عن روجيه تمرز. تخال في لحظةٍ من الزمن أنّك أمام رجلٍ غامضٍ إلى درجةٍ دفعَت رئيس الحكومة يوم أمس إلى وصف غموضه بالـ “مريب”. لكنّ المريب الحقيقي هو كيف أنّ الكلَّ في المساء نفوا ما وزّعوه في الصباح عن إقالة رياض سلامة المحتومة، الأمر الذي لم يحصل.

في المساء برّروا عدم إقالته بكلامٍ قانوني، وأطّروه بكلامٍ “مانجماتي”، فحواه أنّ الحكومة كلّفَت شركة تدقيق عالميّة الكشف على حسابات مصرف لبنان. أمّا التبرير القانوني لعدم الإقالة تمثّل بأنّ الإقالة مرتبطة بواحدٍ من أسبابٍ أربعة، جاء في واحدٍ منها أنّ الإقالة ممكنة في حال “ارتكابِ خطأٍ فادح بتسيير الأعمال”. صحيحٌ أنّ هذه العبارة “مغّيطة” لكن عندما يقدّم رئيس الحكومة مضبطة اتّهامٍ بحقِّ الحاكم ويقول أنّ “المعطيات تكشف أن الخسائر في مصرف لبنان ترتفع بشكل كبير لتصل إلى 7 مليارات دولار أميركي منذ بداية العام” … وعندما يتحدّث رئيس الحكومة عن “فجوة في الأداء في الحسابات في مصرف لبنان وفي الصراحة” … وعندما يقول الرئيس حسّان دياب أنَّ هناك “غموضًا مريبًا في أداء حاكم مصرف لبنان بشأن التدهور الدراماتيكي لليرة اللبنانية”، وعندما يقول “يبدو أن مصرف لبنان إمّا عاجزاً أو معطّلًا أو محرِّضًا (إنتبه إلى كلمة محرّضاً) على هذا التدهور الدراماتيكي في سعر الصرف”، فماذا تنتظر الحكومة بعد لإقالته!

التفسير المنطقي الوحيد الذي يتبادر إلى ذهني هو أنّ رياض سلامة في واحدةٍ من حالتَيْن على الأقل. الحالة الأولى هي أنَّ الرجلَ قويٌّ جداً و”مربوطٌ” في مكانٍ ما أقوى من الجميع. فإذا كان حاكمُ مصرف لبنان منفرداً أقوى من رئاسة الجمهوريّة ورئاسة الحكومة مجتمعتَيْن ومدعومتَيْن من حزب الله ومن قسمٍ كبيرٍ من اللبنانيّين، ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أنّ الرجلَ مدعومٌ من قِبَلِ من هو أقوى منهم منفردين ومجتمعين.

وأمّا الحالة الثانية بالنسبة لي فهي تتمثّل بأنّ لدى الرجل أسراراً لا يُناسب الأقوياء أن تخرج إلى العلن. هؤلاء الأقوياء هُم في الموالاة والمعارضة الآن. رياض سلامة يعرف كلّ شيء عن حركة المال في البلاد. هو يعرف أنّني يوم أمس ذهبتُ إلى المصرف قرب بيتي وسحبتُ من الـ ATM مبلغاً من المال لمصروف البيت. هو يعرف الكمّية والوقت والمصرف والفرع. وهو يعرف أيضاً الـ Pass code. أقول ذلك لأقول أنّ رياض سلامة يعرف من سرقَ، وكيف سرق، ومتى سرق، وممّن سرق. وهو يعرف من حوّل الأموال إلى الخارج، ومتى حوّل الأموال، وإلى أيّ جهة أو حسابٍ حوّل الأموال. ورياض سلامة يعرف من استفاد من سلطات الحاكم، ومن طلب منه تسهيلاتٍ خاصّة لإيداعِ أموالٍ في المصارف تفوق بكثير العشرة آلاف دولار في اليوم، ولماذا طلب الإذن الخاص، ومن أين أتى بالمال “الكاش”. رياض سلامة يعرف مَنْ مِنَ الأقوياء طلب منه أن تشمل هندستَه الماليّة مصرفاً ما، ويعرف مَنْ في هذا المصرف أو ذاك يعرف هذا القويَّ أو ذاك. كلُّهم كانوا شركاءه في التفكير في الهندسات وهو كان شريك الكلّ في التدبير. ماليّاً، هو “بيّ الكل”. رياض سلامة “بيعرف الإبرة وخَيْطا”، وليس من مصلحةٍ لأيٍّ من الأقوياء فتح الملف.

في خلاصتي الشخصيّة فإمّا أن يكون رياض سلامة أقوى من الكلِّ، أو هو يعرف أسرار الكلِّ، وليس بعيداً من المنطق أن يكون الرجل الإثنتين معاً. من يملك تفسيراً رابعاً، فليخبرنا لعلّنا نستنير.

سمير قسطنطين