في الأزمة الحاليّة كلُّ الوزارت مهمّة، لكن أهميّة أدوار وزارات الصحّة، والتربية، والشؤون الاجتماعيّة، والماليّة، والاقتصاد في هذا الظرف تقفز إلى الواجهة. يخطئ من يظنُّ أنّ دور وزارة الصحّة فقط هو المهمٌّ بسبب أزمة كورونا، ذلك لأنّ أزماتنا الاقتصاديّة سابقة لكوفيد – 19 ولاحقة لها على ما يبدو.

في الحقيقة، بعض الوزارات خذَلتْني كمواطن في هذه المحنة. فقد افتقدتُ دور وزارة الاقتصاد في ظلِّ فلتان الأسعار حتّى على المنتجات اللبنانيّة. على رأس الوزارة رجلٌ مالي ذو خبرات كبيرة. لكن هل الخبرة التقنيّة شيء والقدرة على القيادة والإدارة أمرٌ آخر؟ معالجات الوزارة اقتصرت على استنكار سعر كرتونة البيض ورفض زيادة سعر ربطة الخبز!

كذلك، أين وزارة الماليّة؟ نحن نسمع بتعاميم يوميّة لحاكميّة مصرف لبنان. لا نسمع بسياسات وزارة الماليّة. كلُّ ما سمعناه من وزير المال وعلقَ بأذهان الناس هو أنّ الدولار لن يعود إلى مستوى الـ 1500 ليرة. قبل توزيره، كُنتُ أتمتّع بتحليلات الوزير الدكتور علي وزني أكثر ممّا أتمتّع الآن بشبه غيابه عن الساحة. تلفتني تحليلات ومعطيات الخبير الاقتصاديُّ حسن خليل. لكنّه ليس وزير المال!

وزارة الشؤون الاجتماعيّة من جهتها، أنقذها الجيش بتوزيعه المساعدات عنها. طبعاً الوزارة دعَمَت، لكنّ لوائحها لم تكن دقيقة بما يكفي. ولم نرَ زيارات “وزاريّة” لمراكز المساعدات الاجتماعيّة، أو دعماً للعاملين فيها، أو رؤيةً للأيّام المقبلة. لا أدري سبب الغياب.

أمّا وزير التربية فهو يعقد الاجتماعات على مدار الساعة، لكن لا إجاباتٍ واضحة لدى الوزارة حول الامتحانات الرسميّة، أو التعليم عن بُعد لتلاميذ المدرسة الرسميّة، أو حتميّة فتح المدارس لشهرين على الأقل قبل أيلول، أو رؤيتها للمساهمة في حلّ المعضلة الماليّة في المدارس الخاصّة. أتوقّع من الوزارة أن تكون أكثر إقداماً Forthcoming في هذه المرحلة بالذات.

وزير الصحة الدكتور حمد حسن في المقابل تميّز بين كلّ هؤلاء. قد تقول لي أنّ دور وزارته الآن هو المهم وهذا ما أعطاه دفعاً. أنا لا أُوافقك الرأي. شخصيّتُه القياديّة هي التي أعطَتْه الدفع. الوزارات الأربع الأخرى التي ذكرتُها لا تقلّ أدوارُها أهميّةً عن دور وزارة الصحّة لكنّها لم تتميّز. لفتَني الوزير حمد حسن بأكثر من ناحية. يبدو لي أنّه إداريٌّ جيّد، وهنا أقصد بالإدارة عبارة Management وليس عبارة Administration. أدار العمليّة بشكل مهني بلا كللِ ولا ملل.

الوزير حسن لم يستثمر انتشار الوباء في السياسة، فهو لم يذكر على لسانه عبارة “حزب الله” أو إسم “السيّد”، على عكس معظم النوّاب والوزراء في لبنان الذين ينسبون الإنجازات الصغيرة التافهة حتّى إلى واحد من الرؤساء أو الزعماء.

لم يتفوّه بكلمةٍ على من سبقوه بالوزارة ومن بينهم وزيرٌ خصمٌ في السياسة. قد تقول لي “هو لم يفعل ذلك لأنّ لا ملامة على الوزير الخصم”. ما تقولُه صحيح، لكن ومن قال لكَ أنّ الاتّهامات في لبنان تحتاج إلى أدلّة؟

لفَتَني عندما تبيّن أنّ قسماً كبيراً من الحالات لم يأتِ من إيران بل من أوروبا تحديداً. هو لم يستعمل ذلك ليدافع عن مجيء الطائرات الإيرانيّة إلى مطار بيروت، أو ليشمتَ بمن اعتبروا الطائرات الإيرانيّة وحدها مسؤولةً عن مجيء الكورونا إلى البلد.

خلال جولاته المكّوكيّة، وكانت كثيفة جدّاً، لم يستعمل عبارة “أنا عملت” أو “أنا قلت”. لم يستعمل عبارة “وزير الصحة”، حتّى أنّه نادراً ما استعمل عبارة “وزارة الصحّة”. كان دوماً يتحدّث عن “الحكومة”. وهذا نَفَسٌ مؤسّساتي نادرٌ لدى الوزراء اللبنانيّين.

وزير الصحّة تعاطى مع كل لبنان كوطن ومع كلّ اللبنانيّين كمواطنين. عندما وصل إلى مستشفى بشرّي الحكومي، لم يتعاطَ مع القوّات اللبنانيّة كخصومٍ في السياسة، ولم يذكر العكس. لم يستعمل عبارات سخيفة من مثل “إنّ الخصومة السياسيّة لا تفسد في الودِّ قضيّة”. لم يبنِ جداراً بينه وبين البشرّاويّين باستعمال عباراتٍ ممجوجة من مثل “جئتُ إلى بشرّي لأؤكّد أن لا فرق بين لبناني ولبناني”. هذا الكلام الرخيص لم يستعمله وزير الصحّة. القوّات انتبهَت إلى الجدار السياسي، هو لم ينتبه. في حديثٍ إلى صحيفة الجمهوريّة قالت النائبة ستريدا جعجع عن الوزير حمد حسن: “إنّ انتماءَه السياسي القريب من “حزب الله” لم يَحل دون أن يؤدّي دوره على أفضل ما يكون، وأن يعمل لكل اللبنانيّين بشكل مُتساوٍ. ونحن لا يسعنا، على الرغم من الاختلاف السياسي بيننا إلّا أن نشكره”. هو لم ينتبه إلى الخصومة ويبدو أنّه لا يريد أن ينتبه. استراتيجيٌّ في حرفيّته.

أمرٌ آخر أُسجّله لصالح حرفيّته هو عدم حديثه عن نفسه. لم يقُلْ كلمةً عن نفسه. لم يتفاخر بشيء علماً أنّ للرجل تاريخاً من الإنجازات أكان ذلك على الصعيد الأكاديمي أم المجتمعي من خلال العمل البلدي. سيرتُه المهنيّة ناجحة وكذلك مساره المواطنيُّ البلديُّ. كان من الممكن أن تشكّلَ جولاته منبراً للفصاحة. لم يفعل ذلك. كان Low Profile بكلّ ما في الكلمة من معنى.

في كلّ ذلك لفَتَني أمران اثنان. الأمر الأوّل هو أن إحداهنّ لم تنتبه في كلِّ ما قام به الوزير إلّا إلى لون “كنبايات” بيته وشكلها. تفاهةٌ موصوفة. وأمّا الأمر الثاني هو “قدّيش نحنا معتّرين” لدرجةٍ أنّنا إذا وجدنا وزيراً محترفاً ذا صدقيّة في عمله، “صِرنا منشوفو هِجْنِة”.

سمير قسطنطين