كلُّنا نشعر أن شيئاً ما قد تغيّرَ في هذا العالم منذ أن اجتاحتنا الجائحة، وكلّنا نعترف كذلك أنّ تغييراً ما قد حصل في دنيانا الخاصّة. كثيرون عبّروا عن هذا الإنطباع قولاً أو كتابةً. معظم الذين يقولون بهذا القول ينسبُون التغيّر إلى اكتشافهم تفاهةَ التكبُّر وسخافةَ العنجهيّة وفراغ الصَلَف، خصوصاً بعدما أدركَ الناس أنهم يتساوون في الرّعبِ من عدوى فيروس الكورونا. أرانا كوفيد – 19 حجْمَنا على أنّه أصغر من حجم فيروس لا يمكن لمرءٍ أن يراه.

لكنّ التساؤلَ الذي يخطرُ ببالي هو: “هل نحن فعلاً تغيّرنا؟ هل أصبحنا نسخةً معدّلةً عمّا كُنّا قبلاً؟ هل غيّرتنا الكورونا “عن حق وحقيق”؟ كيف نعرف الحقيقة؟ ما هي المعايير التي يمكن لنا أن نعتمدها، أو أن نقيسَ أنفُسَنا عليها، والتي تدُلُّنا إلى ما إذا كان التغيُّر حقيقيّاً أم ظرفيّاً؟

على مستوى الـ Attitude والتصرُّفات، يمكننا أن نطرحَ على أنفُسنا الأسئلةَ التالية: هل فعلاً صرنا أكثر تواضعاً بعدما فضح الكورونا صغرَنا؟ فمثلاً، هل سنرى رجالَ دينٍ مدعووّينَ إلى احتفالاتٍ ومناسباتِ عشاء، يرفضون الجلوسَ في الصفّ الأوّل تواضعاً منهم؟

سؤالٌ آخر، هل فعلاً اقتنعنا أنّ الكبرياء والصَلَف هي أُمورٌ تصغرُّنا ولا تُكبّرُنا في أعين الأخرين؟ فمثلاً هل سنرى سياسييّن ورؤساء كُتلٍ نيابيّة ووزراء يقودون سيّاراتهم من دون مواكباتٍ مزعجةٍ للنّاس، هدفُها الأوّل والأخير لفتَ النّظر إلى “أنّني أعبُرُ من هنا”؟

سؤالٌ آخر، هل فعلاً بتنا نُدرِكُ بشكلٍ أعمق قيمةَ الرّوابط العائليّة؟ فمثلاً هل بتنا نشعُرُ كبالغين أن حاجةَ أولادِنا إلينا عظيمةٌ في هذا الزّمن، وأنّ المتعةَ التي نكتسبُها من جرّاء تمضيتنا أوقاتاً معهم، تُعطينا وإيّاهم متعةً نادرةً؟ هل فعلاً سنُعطي زيجاتنا وأُبوّتَنا وأمومَتنا من الآن فصاعداً فرصةً كاملةً لكي نعيش كُلاًّ منها في عمقِها وجمالِها وتحدّياتِها تماماً كما فعلنا في زمن الكورونا؟

سؤالٌ آخر، هل فعلاً علّمتنا الكورونا قيمةَ اللحظةِ، وكما كان أجدادُنا يقولون “ما حدا بياخد معو شي”؟ فمثلاً، هل بتنا بعد الكورونا أكثر مسالمةً، وهل فعلاً سنبذل جهداً أكبر لصنع السلام مع الجيران وإخوتنا وزملائنا في العمل؟

سؤالٌ آخر، هل فعلاً أصبحنا أكثر بساطةً؟ فمثلاً، هل حقّاً بِتنا نعتقد أن التكبُّرَ و”التفشيخ” و”شوفة الحال” والكلام الكبير المُفاخِر عن المتاجر التي نشتري منها أغراضَنا، والبلدان التي نُسافرُ إليها، وأماكن الّلهو والسّهر التي نسهرُ فيها، هل فعلاً بتنا نعتَبر أنّ الحديث المبالغ عن كلِّ هذه هو ضربٌ من ضروبِ ما لا يليق حتى لا أقولُ أكثر؟

سؤالٌ آخر، هل اقتنعنا فعلاً أنّ حياة الـ Low Profile فيها جمالٌ كبيرٌ يفوق جمالَ حياةِ العراضات؟ فمثلاً، هل سنرى رجال الدّين يمتنعون عن ركوب سيّاراتٍ فاخرةٍ زجاجُها داكنٌ وأرقامُ لوحاتها ثلاثةٌ أو أربعة؟

وسؤالٌ أخير، هل بات إيمانُنا أكثرَ عمقاً؟ في زمن الكورونا الكلُّ صلّى. فهل ستبقى روحانيّة الصلاة معنا في الزمن الآتي أم أنّ دعاءنا كان يُشبه دعوة لله لكي يمنحنا Insurance Policy للحماية من الإصابة؟

هذه أسئلةٌ بسيطةٌ لكنّها من عمقِ يوميّاتِ حياتنا. ما هي أجوبتُنا على هذه الأسئلة؟ إذا كانت فترة الكورونا قد ولّدت لدينا قناعاتٍ جديدة، وقد ترسّخت هذه القناعات في الشهرين الأخيرين في الحجر المنزلي، أعتقد أننا قد تغيّرنا نحوَ مرحلةٍ حياتيّةٍ جديدة. أمّا إذا كان شعورُنا الغالب هو أنّنا قد ضجرنا من هذه الحالة، وإنّنا لا نصدّق كيف نخرُجُ منها لنعود إلى نوعيَّة حياتنا السابقة وتحديداً في المجالات التي ذكرت، أعتقد أنّ التّغيير الذي حصل في فترة الكورونا كان غصباً عنّا وأنّ هذا التأثيرَ لن يدُوم.

سمير قسطنطين