لا اعتقد أنّ انتقاد وزير الصحة العامّة الدكتور حمد حسن قرار مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت صرف عدد كبير من موظفيها في قسمَي التمريض والادارة كان انتقاداً موفّقاً.
أنا كتبتُ أكثر من مرّة عنه وأثنيتُ باسم لبنانيّين كثيرين على الجهود الكبيرة التي بذلها لإدارة أزمة الكورونا، واعتبرتُ آنذاك أنّه الوزير الوحيد الذي ملأ كرسيّه وتصرّف على مستوى رجل دولة في الأزمة. وما زلتُ عند رأيي. لكنّ تغريدته الأخيرة لم تكن، أقلّه برأيي، من ذات طينة الأداء.
الوزير حسن قال في تغريدته: “حقوق الإنسان، احترام القوانين والأنظمة، القيم والأخلاق، الديمقراطية المثالية، ضمان الشيخوخة، العدالة الإجتماعية، العقد المدني… قناع خادع مزيّف يليق بحضارتكم”. لم أعتبر هذه التغريدة ملائمة لأسبابٍ أربعة.
أوّلاً، مستشفى الجامعة الأميركيّة هو مستشفى لبناني يعمل على الأراضي اللبنانيّة لا الأميركيّة. صحيحٌ أنّه يحصل على مساعداتٍ من الحكومة الأميركيّة، لكنّه لبناني مثله مثل مستشفيات أخرى تعمل في لبنان وتحصل على مساعدات من دولٍ مانحة. فمثلاً، إذا دعَمَت المملكة العربيّة السعوديّة مستشفى المقاصد، هل يصبح المستشفى سعوديّاً؟ وإذا أمّنت إيران أجهزةً طبيّةً لمستشفى الرسول الأعظم، فهل يصبح المستشفى إيرانيّاً؟ طبعاً لا. لذا، فإنّ التوجّه إلى المستشفى، وفي لاوعينا نحن نخاطبه كمستشفى أميركي عبر قولنا “يليق بحضارتكم”، ليس أمراً في محلّه.
ثانياً، أمرٌ آخر لم أتوقّعه من رجلٍ أكاديمي هو “التعميم”. إنطلقنا من حدثٍ واحد هو صرف الموظّفين في بلدٍ واحد هو لبنان، لنعمّم الحدث وقراءة حيثيّاته على بلدٍ آخر هو الولايات المتّحدة وعلى حالةٍ عامّة في البلد الآخر هي “حقوق الإنسان، واحترام القوانين والأنظمة، والقيم والأخلاق، والديمقراطية …”. تعميمٌ واسع النطاق إنطلاقاً من حدثٍ موجع بطبيعة الحال. في العالم الأكاديمي الذي يأتي منه معالي الوزير حسن، لا مكان للتعميم. حتّى في الدراسات الإحصائيّة التي تؤكّدها الأرقام، يُبقي الإحصائيّون هامشاً للخطأ بحدود الثلاثة في المئة، فكم بالأحرى إذا كان الرأي غير مبنيٍّ على دراسةٍ.
ثالثاً، صحيحٌ أنّ ما فعلته الجامعة الأميركيّة كان صعباً على ألفٍ وخمسماية عائلة على الأقل خصوصاً في هذه الأيّام الصعبة. لكن إدارة الجامعة أعطَت الجميع حقوقهم كاملةً وأكثر، والوزير يعرف ذلك، والحكومة اللبنانيّة وتحديداً وزارتا الاقتصاد والعمل المعنيّتان بالأمر مباشرةً تعرفان ذلك. في القانون اللبناني، يحقّ لمؤسّسة ما صرف موظّفٍ. هذا الأمر يكفلُه القانون. لكنّ المؤسّسة يجب أن تطبّق القانون لجهة إجراءات الصرف. هذا بالضبط ما فعلته إدارة الجامعة الأميركيّة. هل هذا يُلغي الوجع؟ طبعاً لا، لكنّكَ إذا التزمتَ بالقانون، فلا لوم عليك بالمعني الدقيق لكلمة “لوم”. ما هي نسبة المؤسّسات التي صرفت موظّفين فيها بسبب الأزمة وسدّدت كامل المستحقّات للمصروفين؟ النسبة قليلةٌ جداً جداً. الجامعة الأميركيّة فعَلَت ذلك.
رابعاً وأخيراً، ألا يعتقد مثلي الوزير حسن بأنّ الحكومة اللبنانيّة ساهمَت في وصول مستشفى الجامعة الأميركيّة وسائر المستشفيات إلى هذا الوضع الصعب؟ عندما تتأخّر الحكومة اللبنانيّة، ومعالي الوزير عضوٌ فيها، وحزب الله ممثّلٌ فيها عبر وزارة الصحّة منذ ثلاث سنوات، وحركة أمل أيضاً ممثّلةٌ فيها منذ خمس سنوات عبر وزارة المال، عندما تتأخّر الحكومة اللبنانيّة عن تسديد فواتير المستشفيات، ألا يعتقد مثلي معالي الوزير أنّ الدولة اللبنانيّة ساهمت في وصول المستشفيات إلى هكذا وضع؟ وزارتا الصحّة والمال هما الوزارتان المعنيّتان بشكلٍ أساس ومباشر بوضع المستشفيات. أعتقد أنّ مبادرةً حثيثةً من معاليه تنقذ ما تبقّى من المستشفيات التي تعاني أوضاعاً سيّئة غير مسبوقة.
أحببتُ أن أسوق هذه الأفكار بكل محبّة لوزير الصحّة الدكتور حمد حسن، لأقول أنّنا في موقعنا الرسمي، نستطيع أن نحافظ على رأينا السياسي مهما كان لا بل يمكننا أن نعزّزه حتّى، لكنّنا في قراراتنا أو أحكامنا أو رأينا العام الذي يخرج إلى العلن، لعلّنا نستطيع أن نقرأ الوجع بشكلٍ موضوعي. هكذا قراءة قد لا تخفّف الوجع إطلاقاً، لكنّها تساعد الموجوعين على قراءة وجعهم والتعاطي معه بشكلٍ أكثر موضوعيّة.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات