المتعة والسعادة عبارتان يستخدمهما الكثير من الناس كعبارتَين مرادفتَين، من دون القدرة على التفريق بينهما. في اللغة الإنكليزيّة المتعة هي الـ Pleasure، والسعادة هي الـ Happiness.
إذا سألتَ إنساناً ما عن المتعة، غالباً ما يكون جوابه واضحاً. فأحدُهم يقول لكَ أنّ المتعةَ الأهم في حياته هي متعة الأكل، فيما آخرٌ يعتبر أنّ المتعة الأقرب إلى ذهنه هي متعة النوم العميق، ويرى ثالثٌ أنّ المتعة الجنسيّة تتفوّق على كلّ المتع الحسّية الأخرى. لكن عندما تسأل الناس عن السعادة، فهناك يبدأ التخبّط في الإجابة، وفي مرّات كثيرة تسمعهم يعطون الأجوبة نفسها التي أعطوها عندما سألتهم عن المتعة.
أنواعُ المتع كثيرةٌ، وغالباً ما تكون المتعةُ حسّيةً ومرتبطةً بتلبية المحفّزات البيولوجيّة الأساسيّة من مثل الأكل والشرب والدفء والتمارين الرياضيّة والجنس. لذا تسمع عبارات من مثل “المتعة الجنسيّة” أو “متعة الأكل”.
لكنّ أمرَ السعادة مختلفٌ. موضوع السعادة أصلاً ليس بسيطاً خصوصاً وأنّ السعادةَ أمرٌ مجرّدٌ لا ينحصرُ بنطاقٍ حسيّ. من هُنا تكمنُ صعوبة حصره وضبطه في بضع كلمات تصفه. هناك عبارات ربطَت السعادة عبر العصور بأوضاعٍ ومفاهيم، من مثل عبارة “السعادة الزوجيّة”، وكلّنا نتذكّر تلك الجملة الشهيرة في نهاية الأفلام الهوليووديّة في الستّينات والسبعينات من القرن الماضي And They Lived Happily Ever After.
في أدبيّات منظّمة الأونيسكو التي صدرَت في الآونة الأخيرة، هناك تركيز على ضرورة تربية ولدٍ “سعيد”. ففي معظم الوثائق التي صدرت عن الأونيسكو مؤخّراً، هناك صفتان ثابِتَتان للولد الذي نربّيه هما: Healthy and Happy أي صحّي وسعيد.
المفكّرون كتبوا الكثير في موضوع السعادة. الفيلسوف الفرنسيّ نيكول شامفور يقول: “السعادة ليست بالأمر الهيّن، فمن الصعب أن نعثُر عليها في دواخلنا، ومن المُستحيل أن نعثر عليها في الخارج”. أرسطو من جهته، يصلُ في نقاشه حول السعادة إلى أنّ “الحياة التي تتصّف بالسّعادة هي الحياة التي تُعنى وتتمحور حول النشاط العقليّ”. أمّا سبينوزا فيقول في كتابه “الأخلاق”: “السعادة هي الغبطة التي ندركها حينما نَتحرّر من عبوديّة الأهواء ومن الخرافات والأحكام المسبقة”. خبيرة السعادة ديبرا ريكوود قالت: “السعادة هي الشّعور بالرضا في ظلّ غياب القلق أو الاضطراب أو تعكّر المزاج”.
بغضّ النظر عن التوصيف الأقرب إلى ماهيّة السعادة، أودّ أن أقول أنّ السعادةَ قرارٌ شخصيٌّ يتّخذهُ الإنسان بإرادتِه وصبرِه ورغبتِه. فإذا عزمَ الإنسان على أن يكونَ سعيداً سيفرحُ بأبسط الأشياء وأصغرها وينظرُ إليها بعين الرِّضا والحب، لا السخط والكره. عندها تفرح بفنجان قهوة في الصباح الباكر، أو بصلاةٍ تتلوها باكراً، أو بالعمل لساعةٍ في حديقة منزلك في القرية. ليس ذلك فحسب، بل أعتقد أنّ المتعة قصيرة المدى، والسعادة طويلة المدى. المتعة حسّية جسديّة، بينما السعادة روحيّة نفسيّة. المتعة ترتبط بما يحصل خارجاً، أمّا السعادة فهي تنبع من دواخلكَ. المتعة هي في الأخذ، السعادة هي في العطاء. المتعة يمكن تحقيقها بامتلاك الأشياء الأمر الذي لا يحقّق السعادة. المتعة تجدها وأنتَ لوحدك، أمّا السعادة فتجدها في اجتماعك مع الناس.
هل نحن نُدمن على المتعة؟ وهل نُدمن على السعادة؟ أعتقد أنّه فيما يمكن للإنسان أن يدمن على المتعة، فهو لا يمكنه الإدمان على السعادة. الإدمان على المتعة يحصل عندما تضعف إرادتك كلّياً، أمّا السعادة فلا إدمان عليها إذ أنّها قرارٌ يوميٌّ يأخذه عقلك بوعيٍ. المتعة المفرطة تؤدّي إلى الإدمان، في حين أنّه لا يوجد ما يُسمّى إدمان السعادة.
الطريف في الموضوع أنّ المتعة والسعادة مرتبطتان بالهرمونات التي في جسم الإنسان. المتعة الجنسيّة مثلاً يسبّبها الدوبامين الذي يؤدّي دوراً رئيسيّاً في الإحساس بالمتعة. السعادة في المقابل يسبّبها هرمون السيروتونين الذي أحدث التعرّف عليه ثورةً في علاج مرض الكآبة أي الـDepression.
الغريب في الموضوع أنّ هرمون السيروتونين المسؤول عن السعادة يثبط إنتاج هرمون الدوبامين، ممّا يعني أنّ انخفاض مستويات هرمون السيروتونين، أي انخفاض مستويات السعادة، يُمكن أن تؤدي إلى الإفراط في إنتاج هرمون الدوبامين المسؤول عن المتعة، ذلك لأنّ هرمون الدوبامين يُؤدّي إلى السلوك الاندفاعي، بسبب الدور الذي يلعبه في سلوك البحث عن المكافأة. بكلامٍ آخر، كلّما كان الإنسان غير سعيدٍ، كلّما فتّش عن المتعة للتعويض ظانّاً أنّ المتعةَ ستكون تعويضاً عن السعادة أو بديلاً عنها. والمحزن المبكي في الموضوع أنّ أجسامَنا تدفعنا بطريقة ما إلى هكذا سلوك إن لم ننتبه للأمر.
هل كلّما زادت المتع الحسّية قلّت السعادة؟ العالم التجاري والمتعوي من حولنا يريد أن يدمج مصطلح المتعة مع مصطلح السعادة. لذا شجّع هذا العالم الناس للحصول على السعادة عبر الحصول على المزيد من المتعة وتحديداً من جنسٍ ومالٍ وسلطة، فماذا كانت النتيجة؟ التعاسة في كلّ مكان. هل هذا يعني أنّ المتع غير ضروريّة؟ طبعاً لا. لكن هذا يعني أنّ طريق السعادة لا تعبر عبر المتع. المتعة تعزّز السعادة إن وجدَ الإنسان سعادته خارجها.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات