كُلّنا ننتظر معاش آخر الشهر. للحياة ضرورات وللعيش أحكام. تبدأُ عملاً ما في مكانٍ ما. جُلّ همّكَ هو أن تذهبَ إلى عملكَ، تُتَمّم ما هو مطلوبٌ منك، تنتظر آخر لحظةٍ في الدوام، تودّع زملاءَك في العمل، وتذهبُ إلى حياتِك الخاصة. ولعلّ الانتظارَ الأهم، هو انتظار تحويل المعاش إلى الحساب المصرفي آخر الشهر. لا يعني لكَ شيئاً أن تنمو في عملِك وأن تترقّى في سلّم الوظائف. لا تقرأُ مقالاً عن نوعيّة عملِكَ. لا يعني لكَ شيئاً أمرُ الخططِ المستقبليّةِ في العمل ولا الصعوبات التي تواجهُها المؤسسة. لا رغبة لديك في تمتين أية علاقةٍ مهنية داخل مكان العمل. بالنسبة إليكَ، فإنّ مكان العمل هو أوتيل النهار ليس إلّا، كما أنّ البيت هو فندق الليل. باختصار أنتَ تقوم بالمهمّة من أجل المال. هذا نوعٌ من أنواع المواقف الثلاثة من العمل. هذا الشخص عنده وظيفة ليس أكثر.

 

الموقف الثاني هو الذي يظهرُه ذلك الموظّف الذي يريد بالطبع أن يعيش حياةً كريمة، وأن يُحصّلَ مدخولاً جيّداً في آخر الشهر، إلّا أنّه وفي الوقت نفسِه يريد أن يبنيَ مساراً مهنيّاً. هذا ما نسمّيه بالإنكليزيّة To Build A Career. هذا الشخص لا يريد أن يقوم بعمله فحسب بل أن ينمّي المهارات المطلوبة للنجاح في هذا النوع من العمل. فإذا كان بائعاً مثلاً A Salesman، تجده يريدُ أن يطوّرَ عنده مهارات الإقناع وتقنيّات التواصل الواضح والقدرة على الإصغاء. هو يجد سبباً وفرصةً، وباستمرار، ليتعرّف إلى آخر مستجدّات مضمون وظيفته. فإذا كان معلّماً مثلاً، تراه يريد أن يتعرّف أكثر إلى مفاهيم تربوية من مثل الذكاءات المتعدّدة، والتربية على التميُّز، والذكاء العاطفي وطرائق مونتيسوري للتعلُّم. هو سبّاقٌ إلى كلِّ جديدٍ مفيد. هذا الموظف يتعلّم منه زملاؤه كثيراً، يكون مرجعاً في مفاهيم الوظيفة وتقنيّاتها ومجالاتها وحتى آفاقِها البعيدة. هؤلاء يبنون Career يريدون أن يبقوا فيه لوقتٍ طويلٍ من حياتهم وإنْ هُم غيّروا المؤسسة التي يعملون فيها.

 

النوع الثالث من الناس هُم أولئك الأشخاص الذين يتعاطون مع مسارهم المهني على أنّه دعوة A Calling. هؤلاء يسعون لإيجاد سعادةٍ في عملهم ويعطونه معنىً. هؤلاء الأشخاص يبنون علاقاتٍ مهنيّة واسعة، يضخّون طاقةً إيجابيّة عالية في مكان العمل، ويجدون معنىً لعملهم فتراهُم يسعون إلى لمسِ حياة الناس وتركِ أثرٍ رائعٍ فيها. هؤلاء ينظرون إلى عملهم على أنّه فرصة للآخرين لكي ينموا وليس فرصة لهم فقط.

 

هذه النماذج الثلاثة تشبهُ ثلاثة عمّالِ بناء. الأول الذي يهمُّه أن يعمل من أجل المال فقط يقول: “أنا أضع الحجر فوق الحجر طوال النهار”. الثاني الذي يريد أن يبني مساراً مهنيّاً يقول: “إنّي أبني حائطاً سيكون رائعاً عندما يكتمل”. الثالث الذي يجد سعادةً في عمله، ويعطيه معنىً يقول: “أنا أبني مدرسة الضيعة التي ستؤمّن مستقبلاً أفضل بكثير لأولاد بلدتي”. كلّهم يقومون بالشق التقني نفسه، لكنّ كلَّ واحدٍ منهم ينظر إلى ما يقوم به بشكلٍ مختلف. أي صنفٍ أنا؟ أيّ صنف أنت؟