في كلِّ مرَّةٍ تقترب المدارسُ من فتحِ أبوابِها لاستقبال التّلاميذ على مقاعدِ صفوفها، يَصدُرُ قرارٌ عن وزارة التّربيةِ الوطنية بتأجيلِ موعد فتحها. السبب، ولا أقول الحجّة، هو ارتفاع مستوى إنتشار وباء الكورونا في لبنان. هذا السبب موجود ولا أنفيه وأحترمه، وأودُّ القول في البداية أنَّ الخطرَ موجودٌ في كلِّ خطوةٍ من هذا النوع.
لكنَّ المستغربَ هو أنَّ استشعار الناس للخطر على أولادهم من عدوى الكورونا لا يكونُ بالقوّة نفسها إلّا في موضوع فتح المدارس. فجأةً تمتلىء وسائل التّواصل الإجتماعي، وتحديداً الـ WhatsApp Groups الّتي للأهل، بكلامٍ كبيرٍ حول المخاوف. ولا تخلو الـ Text Messages من اتّهامٍ لإدارات المدارس، إمّا بالجهل لمعايير الوقاية، أو بالتّقصير في حماية التلاميذ، أو باستعجال الفتح بهدف إستيفاء القسط الأوّل.
في هذا الوقت أنظُرُ حولي إلى ما يجري وما جرى في خلال الصّيف وتحديداً في الأسبوعين الأخيرين. شواطىءُ البحرِ كانت ملآنة ولا كمّامات ولا من “يتكمّمون”. المطاعم كانت ملآنةٌ أيضاً ولا تباعدَ إجتماعياً بين روّادها. ولم تلتزم كلُّ المطاعم بنسبة الإستيعاب الّتي حدّدتها الدّولة لها. المرابِعُ اللّيلية لم تهدأ بعدَ قرار تخفيف التّعبئةِ العامّةِ وشمولها إمكانيّة الذّهاب إلى الـ night clubs.
ليس ذلك فحسب، بل شارك كثيرون من تلاميذ المدارس في حفلات الـ birthdays لإصدقائهم، والتقوا في مرّاتٍ كثيرة في مجموعاتٍ يفوق عدَدُها الثّمانية تلاميذ أو العشرة، فأمضوا وقتاً ممتعاً مع بعضهم البعض في البيوت أو في ملاعب رياضيّة يتدرّبون فيها. أُنظُرْ إلى الـ Gyms وروّادها. هي شبهُ ملأى. ومن منّا لم يذهب إلى السوبرماركت ليتفاجأ بأعدادٍ كبيرة من الناس موجودة هناك وفي الوقت ذاته؟ تَطلّعْ إلى الكنائس والجوامع، ترَ أنّ عدد المصلّين عالٍ، وفي بعض الأحيان هناك اكتظاظٌ من غير أن يلتزم كثيرون بقواعد التباعد المكاني.
لكن عندما يأتي الدّور إلى فتح المدارس واستقبال الأولاد، تقوم القيامة ولا تقعد. فجأةً يشعرُ الأهل الّذين سمحوا لأولادهم بالذّهاب إلى البحر والمطعم والـ gym وملعب كرة السّلة ومكان العبادة والسوبرماركت والـ Birthday Party وغيرها من الأماكن، بأنّ خطراً داهماً يتهدَّدُ أولادهم.
لا أفهم دائماً هذه الظّاهرة لكنّي أريدُ أن أقول إنَّه إذا كان هناك من نموذجٍ مؤسَّسيٍّ واحد في لبنان يلتزمُ كلَّ معايير الوقاية الصّحية على أعلى درجاتِ الدّقة والإحتراف فهي المدرسة. أيٌّ من المؤسّسات غير المدارس تعقِّمُ المكان كلَّ يوم، وتُلزِمُ كلَّ الدّاخلين إليها بوضع الكمّامة ومن دون إستثناء؟ وأيٌّ من المؤسّسات غير المدارس تمارسُ التّباعُد المكاني والجسدي كما ستمارسهُ المدارس عندما ستستقبلُ الأولاد؟ وأيّةُ شريحة عمريّة هي أقلُّ عرضةً لانتشار الفيروس من التّلاميذ الّذين هم تحتَ سنِّ الثمانيَة عشْرَة؟ مع ذلك يرفضُ كثيرون من النّاس عودةَ الأولاد إلى الصفوف.
أنا شخصيّاً أُدرِكُ تماماً حجمَ الخطر، فأنا لا أعيش في كوكبِ المرّيخ، وَليَ ولدان ما زالا يذهبان إلى المدرسة. ومع ذلك أقول إنَّ الخطرَ المُتأتّي من الذّهابِ إلى المدرسةِ هو أقلُّ بكثيرٍ من الخطر النّفسي والتّربوي المُتأتّي من بقاء الأولاد في البيت. إذا فَتَحَت المدارس أبوابَها الآن، سنسمع بأخبارٍ من هنا وهناك بأنّ ولداً أُصيب بالعدوى لا سمح الله، وأنّ إصاباتٍ عديدة بالفيروس قد ظهرت في هذه المدرسة أو تلك. لكن هذا لا يعني أنّ فتح المدرسة كان خطأً. ألا يحدث ذلك حاليّاً في قرى عديدة؟ هل هذا يعني أنّ القرى ستلغي نفسها؟ أستطيع أن أقبل، أنّه في حال انتشار الوباء بشكل كبير في مدينةٍ ما أو بلدةٍ ما، إقفال المدارس ولمدّة محدّدة هناك. أستطيع أن أفهم أن تعطي وزارة التربية للمدارس خيارَيْ التعليم عن بُعد والتعليم الحضوري، ولتَختَرْ كلّ مدرسة ما يناسب بيئتها، ولتراقب الوزارة الجميع. لكن أن نُبقي المدارس مقفلةً، فهذا خرابٌ نفسي لأولادنا، واقتصادي للبلد، ولوجستي للأهل الذين بدأوا بالذهاب إلى أشغالهم وهُم يتركون أولادَهم في البيت لكنّهم غير مطمئنّين لمتابعتهم الجدّية للدراسة أونلاين.
قد يبدو رأيي غريباً عجيباً في هذا الصّباح، لكن وبعد مرورِ عشرةِ أشهُرٍ كاملة على بدء انتشار الوباء، أشعُرُ أنَّهُ حان الوقت للمواجهة بطرقٍ جديدة، وأنَّما بشرطٍ كبير هو اعتماد كلِّ طرقِ الوقاية الفاعلة، “ومين أشطر من المدارس” في فعلِ ذلك؟
لنتذكّر فقط أنّ عدد الإصابات اليومي تخطّى الألف عندما كانت المدارس مقفلة. الحلُّ هو في تعزيز الوقاية في المدرسة لا في إقفالها. الخطر ليس هناك فقط. هو أيضاً في مكان آخر.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات