دونالد ترامب وجو بايدن خذلا الأميركيّين في مناظرتِهما فجر الأربعاء بتوقيت بيروت. لم يُحسِنا إلى ديمقراطيّة أميركا بشيء. شوّها تقليداً عمره ستة عقود بدأ بمناظرةٍ بين جون كينيدي وريتشارد نيكسون في العام 1960، وأُريد له أن يُعطي الأميركيّين فرصةً عادلة للتعرّف إلى آراء المرشَّحَيْن الرئاسيَّين قُبيل يوم الانتخاب. لكن ما جرى هذا الأسبوع لا يمتُّ إلى أميركا التي أحبَبْناها بشيء. ترامب كان عنيفاً وصاخباً. قاطَع بايدن مرّات عديدة في الوقت المخصّص له. نَعَته نعوتاً مخجلة. قال له: “أنت لا تمتُّ إلى الذكاء بصلة”. ذَكَّره بأنّ نجله الأصغر كان يتعاطى المخدرات. كلامٌ في الشخصي ذكّرني بشيءٍ من الحوار السياسي الراقي في بلادنا !!!
بايدن قال لترامب حين استمر بمقاطعته: “هل يمكن أن تخرس يا رجل؟” ، ووصفه لاحقاً بـ “المهرِّج”. وحاول بايدن الاستخفاف بالرئيس الأميركي في مثل قوله لترامب: ” أنت أسوأ رئيس عرفته أميركا”. قال أيضا “الكلُّ يعلم أنّ ترامب كاذب”، ووصفه بـ”جرو بوتين”.
على مستوى العبارة، بايدن “ما قصّر”، لكن على مستوى الأسلوب، فقد تفوّق ترامب في القساوة.
إلّا أنّ أخطر ما حصل في المناظرة هو تشكيك ترامب القاسي في شرعيّة ونزاهة الانتخابات الأميركيّة التي ستجري. ترامب الذي رفض كليّاً أسلوب الاقتراع البريدي، اتّهم الديموقراطيّين بانهم سيزوّرون نتائج الانتخابات. إتّهم علناً ومنذ الآن، مسؤولي الانتخابات في الولايات والمدن الكبيرة التي يحكمها أو يديرها مسؤولون ديموقراطيون، بأنهم بدأوا بتزوير بطاقات الاقتراع البريدي. وقال ترامب “ستحصل عمليات تزوير بشكل لم تروا مثيلاً له من قبل”، مضيفا “قد لا نعرف نتيجة الانتخابات قبل أشهر”.
ولم يستبعد ترامب حصول أعمال عنف من قبل اليسار. وإذ قال إنّه سيطلب من اليمين التحلي بالهدوء، توجّه إليهم بالقول: “كونوا على استعداد”.
الأميركيون يتجنّبون عادة التحدّث في السياسة في العلن وخصوصاً في أماكن العمل والزيارات والحفلات. فمعظمهم يعتبرها شأناً خاصاً. هُم يقولون كلمتَهم في صناديق الاقتراع. كذلك يتجنّبون الحديث في الأمور الدينيّة علناً علماً أنّ نسبةً عاليةً منهم تذهب إلى دور العبادة. الديمقراطية بالنسبة لهم هي مشاهدة الأخبار والبرامج السياسيّة التي تتوجّه إلى عامّة الشعب، ومن ثمّ ممارسة حقّهم الانتخابي في السر.
في معرض تعليق ساخر على مناظرة ترامب وبايدن، كتب صديق لي من الولايات المتحدة كلمات لا بأس من مشاركة القارىء فيها. قال: “لقد اشتريتُ لبيتي قبل أسابيع قليلة bidetإلكترونيّة. لا شيء ينظّف قفا الإنسان مثل الـ bidet التي باتت موجودة في بيوتٍ كثيرة في أميركا بعدما كانت غير معروفة. بعد مناظرة ترامب – بايدن بتُّ أشعر أنّ أميركا بحاجةٍ إلى bidet أكثر مما هي بحاجةٍ إلى مناظرات. ديمقراطيّة أميركا باتت بحاجةٍ إلى أدوات تنظيفٍ للحناجر والألسن. لعلّ مفهوم الـ bidet يجب أن يتوسّع فيصبح مؤسّسة أميركيّة سياسيّة، ولعلّ وسائل الإعلام هي المهيّأة لتلعبَ هذا الدور، دور الـ bidet الاجتماعي. عسى أن تسرع وسائل الإعلام الأميركيّة للعب هذا الدور بعدما باتت هي نفسها بحاجةٍ إلى bidetينظّف شرّها “البروباغاندي”. تحتاج أميركا إلى ذلك أكثر مما تحتاج إلى مناظرات”. انتهى الاقتباس.
إذا كانت أميركا مع كلِّ ديمقراطيّتها بحاجةٍ إلى هذا الـ bidet الاجتماعي فماذا نقول عنّا، وقد أصبحنا في لبنان معروفين بما نسمّيه في العالم اليوم بالـ Verbal Diarrhea أي الإسهال الكلامي؟
سمير قسطنطين