المدارس باتت مكسر عصا. قراراتُها موضع تشكيك دائم من كثيرين. إذا طالبت إدارة المدرسة الأهل بتسديد الأقساط، تقوم قيامة البعض، ويلجأون إلى الإعلام كما حصل هذا الأسبوع مع مدرسة الراهبات الكرمليّات في الفنار. إذا تغاضَت الإدارة عن موضوع تسديد الأقساط، يعتبر البعض أنّ تسديد القسط هو ترف وليس ضرورة.
الدولة تُلزم المدارس بتسديد رواتب المعلّمين كاملةً، وهذا حقٌّ لهؤلاء الأبطال والبطلات. وتُلزم الدولة إدارة المدرسة بأن تُشكّلَ نسبة الرواتب من الموازنة أقلّه 65% بالمئة. فإذا سدّد كلُّ الأهل، ومن دون استثناء، ثلثَي أقساط أولادهم، فهُم بالكاد يكونون قد سدّدوا ما يترتّب على المدرسة فقط تجاه الأساتذة. وماذا عن المصاريف الأخرى من كلفة التكنولوجيا في التعليم عن بُعد، والتعقيم الدوري، وتسديد مستحقّات الضمان الاجتماعي وصندوق التعويضات للأساتذة، و”اشتراكات” الكهرباء، والصيانة الدوريّة وغيرها بغضّ النظر عمّا إذا فتحت المدرسة أبوابها أو لم تفتح، ناهيك عن كلفة الدمار الحاصل في مدارس عديدة من جراء انفجار المرفأ؟!
دعني أقول إنّ إقحام المدرسة للتلميذ في معركة، وأُسمّيها للأسف معركة، تحصيل الأقساط غير مقبول. ولأنّي قُلتُ ذلك، أسمح لنفسي بطرح السؤال التالي: إذا كان تسديد الرواتب للمعلّمين مُلزماً، وإذا كانت الأكلاف الأخرى وخصوصاً التكنولوجيّة باهظة لأنّها تُسدَّد بالدولار الأميركي، وإذا كانت وزارة التربية تسمح بانتقال تلميذِ من مدرسة خاصّة إلى مدرسة رسميّة من دون أن تلزم أهله تسديد القسط المتراكم كما كانت تفعل في السابق، وإذا كان بعض الأهل لا يكلّفون أنفسهم عناء زيارة المدرسة للسؤال عن المتوجّبات عليهم والاتفاق مع الإدارة على حسومات أو جدولةٍ للأقساط، وإذا كانت وزارة التربية التي وعدت المدارس بتسديد مبلغٍ ما عن كلّ تلميذ لم تفِ بوعدها، وإذا كانت وزارة المال قد امتنعت ولسنواتٍ عن تسديد مستحقّات المدارس المجّانيّة وشبه المجّانيّة عليها، وهذا حقٌّ لهذه المدارس التي ارتضت أن تحمل عبئاً كبيراً بسبب تراجع الدولة عن تحمّل المسؤوليّة، وإذا كانت الدولة حتّى الآن لم تُخفّف عبء الضرائب ولو جزئيّاً عن كاهل المدارس خصوصاً في زمن بشع، وإذا كانت نسبة العائلات المُحتاجة ارتفعت بشكل كبير بانهيار الطبقة المتوسّطة، وبات لزاماً على المدرسة أن تحسم مبالغ كبيرة من القسط لعدد كبير من العائلات، وإذا كانت المدارس قد حسمت ما بين 20% و35% لكلّ الأهل السنة الماضية، وإذا كانت المصارف قد امتنعت منذ سنة عن مدّ المدارس بالقروض والتسهيلات الماليّة الأخرى، “بشرفكن حدا يخبّرني” من أين ستأتي إدارات المدارس بالمال الكافي لتسديد متوجّباتها لكلّ الذين يقدّمون لها خدمات!!؟؟
أعتقد أنّ الاستقواء على المدارس وصل إلى حدٍّ خطيرٍ جدّاً. الذين يهلّلون لتقريرٍ إعلامي يدين هذه المدرسة أو تلك، هُم لا يدركون أنّ ما ميّز لبنان عن أشقائه العرب لقرنَيْن من الزمن هو جودة التعليم والتي قدّمتها مدارس مخضرمة تُرفع لها القبّعات احتراماً.
إنّي أعترف أنّه في هذا الزمن الضاغط على الجميع، قد يصدر عن مدرسة ما قرارٌ غير مفهوم، أو أن تتّخذ المدرسة إجراءً كان يمكن تفاديه، لكن أن تتحوّل ألسنة الناس إلى مشروع إدانةٍ فرديّة أو جماعيّة لتاريخٍ عريقٍ يشرّف لبنان، فهذا خطرٌ قد نقوى على التسبّب به، لكنّنا لن نقوَى يوماً على تحمّل تبعاته.
الاستقواء على المدارس، من أيّ جهة أتى، رسميّة أو شعبيّة، مرفوض.
سمير قسطنطين