فجأة ومن دون مقدمات يبلغ ولدُنا سن المراهقة. يصبح Teenager “عن حقِّ وحقيق” كما نقول بالعاميّة. تتوتّر العلاقة وتصبح أوتارُها مشدودة. تحدياتٌ كثيرة وجديدة بدأت تعترض العلاقة السليمة بيني وبين ولدي. نبدأ بالقول إِنَّ ولدَنا تغيّر، و”رزق الله لما كانوا ولاد صغار”. دائما نترحّم على الأيّام التي كنا نقول لهم فيها ما نريد وهُم يطيعوننا بسرعة الضوء. نبدأ بلومهم، ومن ثم بالجدال معهم. لا يعود الجو المنزلي صافياً. ماذا تبدّل؟ لماذا تغيّر؟ يفوتنا في لحظات مثل هذه أن ندرك أن ولدنا المراهق بات يرزح تحت ضغوط جديدة.
نعم، في بيتنا مراهق بات يعيش تحت أنواع عديدة من الضغوط عليه وهي جديدة في نوعها وتأثيرها، ومن الأفضل لنا أن نتنبه إليها في وقت مبكّر لئلا تفوتنا فرصة مرافقة ولدنا نحو الضفة الأخرى من النهر.
ما هي إذا ضغوط عمر المراهقة؟ هي ضغوط أكاديمية تتمثل في كثرة عدد الموادّ التي يدرسها ولدنا والتي تصل في بعض المستويات إلى سبع عشرة مادة، إضافة إلى ضغط الامتحانات الرسمية في صفّي الشهادة الرسميّة: البروفيه والــ Terminale، وإلى امتحانات الدخول المتنوعة إلى الجامعات والتي ترتِّب مجتمعةً، ضغطاً كبيراً عليه. أيضاً، هناك ضغوط جسميّة من مثل تغيُّر شكل الجسم كبروز الشعر وتغيُّر الصوت وما يرتبّه من إحراج أمام الرفاق. ويترافق هذا التغيُّر الجسمي مع أوجاع النموّ فيختبر المراهق والمراهقة أوجاعاً جديدة في الجسم وإفرازات جسميّة جديدة تترتّب عليها ضغوط إضافية. ولا ننسى الضغوط الحسيّة. ففي المراهقة هناك أحاسيس جديدة يختبرها المراهق، تغذّيها البرامج التلفزيونية وأفلام النيتفليكس، وكلّها تولد لدى ولدنا المراهق توتّرات تنعكس تشنُّجاً في علاقتنا معه. الضغوط القِيميّة ليست قليلة وهي تتمثّل بالصراع بين ما تربّى عليه ولدنا قِيَميّاً، وبين ما هو متاحٌ أمامه. يريد أن يجرّب ونحن لا نقبل، فيتوتّر الوضع في البيت. ولا نغفل عن الضغوط النفسيّة الناتجة عن الوضع السياسي، وحاجة ولدنا في هذا العمر إلى الانتماء. وماذا عن ضغط الانتماء في المراهقة؟ هذا ضغطٌ علائقيٌّ يتمثل في الأسئلة التالية: “هل لديّ أصدقاء؟ من هم أصدقائي؟”. وأخيراً، هناك ضغوطٌ مستقبليّة. ولدنا يسأل: “ماذا أريد أن أكون في المستقبل؟ هل أدرس في لبنان أو خارج لبنان؟ في الجامعة اللبنانيّة أو في جامعة خاصّة؟ وماذا لو كان المال غير متوافر لتحقيق الأحلام”؟
كلُّ هذه الضغوط على الولد تأتيه في سنّ المراهقة وهي تزيد من اضطرابه وتوتّره وعدم تركيزه ولهوه وصراعاته مع الأهل. ما هو موقفنا كأهل؟
هناك ستّة ثوابت على الأقل في علاقتي مع ولدي المراهق. أولاً، اعتماد الحوار حول مواضيع الاختلاف لا القمع. أحاورُ ولدي حتى عندما لا يكون ولدي منطقياًّ، وحتى عندما يختلف معي اختلافاً جذريّاً في الرأي. لا خيار آخر لديّ ونقطة كبيرة على السطر.
ثانياً، توازن المحبّة والحزم.في علاقتك مع ولدك المراهق، التوازنُ بين المحبة والحزم ضروري جداً. في كل مرّة نحبّ من دون حزم هناك خوف من أن يقع ولدنا في الدلع. وفي كل مرّة نحزم من دون محبة، هناك خوف من أن نقع نحن في القساوة. وكلا الدلع والقساوة غير مقبول، لذا التوازن مطلوب وما أصعب التوازن.
ثالثاً، الإيجابيّة في السلوك والتعبير. هل تريد علاقة جيدة مع ولدك المراهق؟ كُن إيجابياً سلوكاً وتعبيراً. كلما تجنّبتَ السلبية ارتحتَ في العلاقة مع ولدك، وازدادت ثقتُه بك، ورغبته في أن يحدّثكَ ويركنَ إليك ويشاركَك بما يجول في قلبه وخاطره. لكنك كلّما كُنتَ سلبياً مع ولدك كلاماً وسلوكاً نفرَ منك وابتعد عنك واعتمد أصدقاء معيّنين مرجعيةً له، وهذا قد يؤذيه في مكان ما.
رابعاً، تنمية سلّم القيم عند الولد. هذه استراتيجية من المفيد أن نتّبعها مع أولادنا. هل تريد أن تنمّي عند ولدك، ومنذ نعومة أظفاره، قيمتَي الصدق والحوار مثلاً؟ قد تسألني ولماذا ذلك؟ أقول لك لأنك إذا درّبتَ ولدك على أن يكون صادقاً ومحاوراً سيسهُلُ عليه في عمر المراهقة أن يأتي إليك ويفتح لك قلبَه ويتحدّث إليك حتى عن الأشياء الحميميّة التي تشكل عنواناً كبيراً له في هذا العمر. لكنّك إذا لم تعوِّدْه الحوارَ معك في عمر مبكِر، فقد يفوتُك القطار في عمر المراهقة حتى ولو حاولتَ أن تستدرك الأمور.
خامساً، الأهل في دور المثال أي مطابقة الكلام مع الحياة. الفكرة هنا تتمثّل في أن يكون سلوكُنا أمام الولد ومعه مطابقاً لكلامنا فتخفَّ أسبابُ الاشتباك معه وتتعزّز ثقتَه فينا ويتجدّد الحوار بشكل دائم معه.
سادساً وأخيراً، ضرورة تنمية الثقة بالنفس والشعور بالافتخار لدى الولد. ثمِّن ما يفعله ولدك. إذا أحرز الــ 12/20 في دروسه اشكره ولا تُقلّل من أهمية إنجازاته. لعلّك تريد أن تشجعه على إحراز المعدّل الأعلى. لا بأس بذلك. لكن حاول أن تفعل ذلك عن طريق التشجيع لا عن طريق إذلاله وعدم تقديره. وإذا قام بعمل ما ونجح نصف نجاح، عبّر عن رضاك وشجِّعه. لا تكُن قاسياً معه لئلا يفشل.
وفي كلِّ ذلك تذكّر أخيراً أننا جميعاً كأهل كُنّا يوماً في ذلك المكان.
سمير قسطنطين