كلُّنا لنا أصدقاء ومعارف وزملاء نحتّكُ بهم، نعيش معهم، نتقابل وإيّاهم في أماكن عديدة وأوقات كثيرة. في العلاقة هناك تواصل عن قُرب. هناك احتكاك بالأفكار وبالمشاعر أيضاً. في عالم الميكانيك، الاحتكاك يولد “شَرْقَطَة” وهذه “الشّرقطة” هي التي تُعطي دَفْعاً ودَفقاً لموتور السّيارة مثلاً. إذا زاد حجم “الشّرقطة” عن الحدِّ المسموح به، من الممكن أن يتعطّل الموتور أو يحترق.
هكذا نحنُ في علاقاتِنا الإنسانيّة. في بعض الأحيان يصادفنا في الحياة أشخاصٌ من نوعَيْن اثنين. النّوع الأوّل هو ذاك الّذي يُستَفَزُّ بسهولة، والنّوع الثّاني هو ذاك الحسّاس أكثر من الّلازم.
الّذي يُستَفَزُّ بسهولة قد يُزعِجه إلى حَدِّ الغضب رأيٌ في السّياسةِ مخالِفٌ لرأيه، أو لباسٌ معيَّن من غير ذوقه قد تلبسهُ زوجتُه، أو طلبٌ معيَّن قد يطلبه منه إبنه أو ابنته، أو نقاشٌ حول موضوعٍ دقيق يخوضه مع زميلٍ له أو مع مديره. تراهُ يُستفَّز، يَغضب، يبدأ بقولِ كلامٍ قاسٍ قد يعتذرُ عنهُ لاحقاً لكنّه في تلك اللّحظة لا يمكنه ضبط أعصابه. رأيُه ليس وجهة نظر. رأيه، بالنسبة له، هو الحقيقة الدامغة، مع “أل” التعريف.
النّوع الثّاني هو النّوع الحسّاس “يلّلِي بْيِنْجِرِح” بسهولة. إذا تحدّثَ إليك ولم تتفاعل مع ما قاله، ينجرح إحساسُه ويقول لكَ على الفور، “مَنَّك مْعَبِّرْني”. وإذا كان هذا الشّخصُ زميلك في العملِ، وطلبتَ منه تغيير فكرةٍ ما، أو تعديلَ آليّةِ عملٍ ما، تراهُ يحزَن ويعتبر كأنّك غيرُ راضٍ عنهُ أو أنّك تعتبرُه غير كُفْءٍ. يظُنُّك تعتقد أنّهُ لا يعرفُ ماذا يفعل.
في مرحلةِ البدايات، “إنتَ بْتِزْعَل” من هذين النّوعين من الناس. أنت تحزَن لأنّك لم تفهم لماذا غَضِبَ النّوع الأوّل ولماذا حَرِدَ النّوع الثّاني. “إنتَ بتزعَل منُّن”. تتحدّث معهم حولَ هذه المشاعر وتحاوِل أن تشرحَ فكرتك لهم. هم يسمعونك لكنّهم لا يصغون إليك بالضّرورة. يُعطونك الأذن لا الانتباه. وعندما يسمعونك، يحضِّرون أجوبةً في أذهانهم بدل أن يحاولوا أن يروا في كلامك نقطةً إيجابيّةً ينطلقون منها لإغناء النّقاش. في تلك اللّحظة، تنالُ غضباً وحَرَداً إضافيَّيْن من هذين النّوعين من النّاس. “إنتَ بْتِزعل مِنُّنْ” مرّةً ثانية وثالثة ورابعة. في المرّةِ العاشرة تدرِكُ بنُضجِكَ الّذي تكونُ قد بَلَغتَهُ في علاقاتِكَ مع النّاس واحتكاكِكَ بأنواعٍ عديدة من الشّخصيّات والأطباع بأنَّ “زَعَلَكَ منهم” لا يُفيد بعد الآن. أنتَ في داخِلِكَ تسامحُهم وتبدأ بـ “الزّعلِ عليهم”. في البداية “بتزعل منّن” وفي النّهاية “بتزعل عَلَيُنْ”، ذلك لأنّهم لم يُطوِّروا أنفسَهم على صعيد المهارات، ولم يساعِدوا ذواتهم على ممارسة الذّكاء العاطفي في كلِّ حوار. يُمضون حياتَهم إما غَضُوبين، وإمّا حزانى، وإمّا حَرِدين. تحتارُ في البداية ماذا تفعل، وتحتارُ في النّهاية ماذا تفعل أيضاً. لكنَّ ذلك لا يُعطيكَ الحقَّ، لا من قريب ولا من بعيد، أنْ تغيِّرَ من مزاجِكَ، وتُعدِّلَ تنقيصاً من مستوى نُضجِكَ ولا من درجة احترامِكَ لهم. هذه لا تتعلَّق بهم. هذه الأمور تتعلَّق بكَ أنت وبالصّورةِ التي ترضاها لنفسك في أذهانِ الناس والّتي تَعِبْتَ كثيراً لكي تبلُغُها.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات