المواطنون في 17 تشرين عبّروا عن “الخوف من الدولة”. اعتبروا أنّ الدولة سرقَتهم، سرَقت أموالهم وأحلامهم ومستقبلهم. كان الصوت صارخاً. عملَ أهلُ السلطة ما لا يُعمَل لتطويق وجع الموجوعين. إتّهامات، ترهيب، ترغيب، إنقضاض، رهانٌ على التعب إلخ … أمرٌ واحدٌ لم تفعله الدولة وهو “إيجاد حلٍّ”.
مع مرور الوقت، تعب الناس. الكورونا فعَلَت فعلها في حركتهم. فَتَكَتْ بكثيرين. قلّة التنظيم عطّلت أيضاً فرصاً عديدة للنمو. فرِحَ أهلُ السلطة. إطمئنّوا “إنّو الأرض بتهز بس ما بتوقع”. إنصرفوا من جديد إلى صراعاتهم التي أنهكَت الشعب. حلّق الدولار. جاع الناس أكثر. صاروا أكثر قلقاً ويأساً.
منذ أيّام عاد الناس إلى الحركة. دافعُهم هذه المرّة هو اليأس. في 17 تشرين كان الدافع “الرغبة في التغيير”. منذ أيّام والبلد ينزلق إلى الفوضى. في بعض الأماكن، تصرّف الناس خارج إطار العقل. أمثلة السوبرماركت تتكاثر. سيقول أهل السلطة إنّ أجهزةً أمنيّةً تحرّكهم وإنّها تملك كلّ المعلومات. إذا كان هذا صحيحاً، فماذا يمنع فضحَ المستور؟
البلد يدخل الآن مرحلة “الخوف على الدولة”، على هيبتِها، على قدرتها على التعاطي مع أزمةٍ لم يشهد تاريخ لبنان مثلها. الرهان على الجيش للقمع؟ الجيش لن يقمع. الجيش سيضبط إيقاع حركة الناس. الناس تحب الجيش. ربّما هذا هو السبب الرئيس وراء إطلاق النار على قائد الجيش. رمايات “صديقة” ورمايات غير صديقة. الجيش “ما غلّط بعد”. أفرادُه أيضاً يعانون.
الفوضى التي نتزحلق إنحداريّاً باتّجاهها هي ليست “فوضى خلّاقة”. هي فوضى فاقة. هل تذكرون كتاب التاريخ والقول الشهير: “عز بعد فاقة – الأمير علّاقة”؟ نحن الآن في مرحلة “فاقة بعد عزّ”. لذا، الفقر أكثر إيلاماً لأنّ الناس عرفَت البحبوحة في السابق.
الانتقال من مرحلة “الخوف من الدولة” إلى مرحلة “الخوف على الدولة” يحصل وإن بخُطى غير سريعة. السلطة تعرف أنّ الحرب الأهليّة بمعناها الواسع ممنوعة. لكنّ الفوضى قد تغدر بالجميع.
سون تزو، فيلسوف وجنرال صيني عاش قبل الميلاد، قال مرة: “في وسط الفوضى، هناك فرصة أيضاً”. هل يلتقط من في أيديهم السلطة هذه الفرصة؟
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات