حزب الله يتلقّى نيراناً معظمها نيرانٌ “صديقة”. النيرانُ العدوّة يتلقّاها منذ زمنٍ بعيد لكنَّ “الصّديقة” تزداد. النيران الأولى يُطلقها حليفُه الشيعي ولها كاتمٌ للصّوت. النّاس لا تسمع صوت الرّصاص، لكنَّها تشعرُ بالنّتيجة. كأنّي بالحليف الشّيعي يقول لحزبِ الله: “أما قُلنا لك عن ميشال عون؟”. يقصُدُ الحليف الشّيعي أنَّ اختيار حزب الله للعماد عون رئيساً للجمهوريّة، وتمسُّكَ الحزب بجنرال الرّابية آنذاك مرشحاً وحيداً للرئاسة، كان قراراً خاطئاً. طبعاً هذه وُجهة نظر حركة أمل.
الحليف الثّاني هو رئيس الجمهورية، وبالتالي التّيار الوطني الحُر الذي ينظُر إلى الحزب، وكأنّه يقول: “أما قُلنا لك إنَّهُ لن تقوم قائمةٌ للدّولة ما لم تضغط على حُلفائك الشّيعة في مشروع بناء الدّولة؟”. يقصد التّيار بذلك أنَّ الحزبّ لم يلتزمْ بمضمون “التفاهم” لجهة بناء الدّولة. طبعاً هذه وجهة نظر التيّار.
الحليفان غيرُ راضيَيْن عن خيارات حزب الله. وهذا يأخذني إلى السّؤال: “هل أخطأ الحزبُ في الاستراتيجيّة الدّاخلية؟”. هل هو في موضوع صنع السّلم الدّاخلي أقلّ حذاقة منه في مشروعِ قتال إسرائيل؟ وهل حزبُ الله في دهاليز السّياسة اللبنانيّة هو أقلُّ خبرةً منه في سراديب القتال تحتَ الأرض؟
هل أخطأ الحزب في الاستراتيجيا؟ وهل كان عليه أن يحسُمَ بين حليفَيْن متنازعَين؟ لو أنَّ حزب الله لم يقُل لكلِّ الّذين فاتحوه في موضوع ترشيح العماد عون للرئاسة: “إذهبوا إلى الرّابية، الجواب عند ميشال عون”، هل كان وضعُه أفضل الآن؟ في المقابل لم يكُن حزبُ الله مستعدّا،ً لا من قريب ولا من بعيد، أن يقسم السّاحة الشّيعية، بين مؤيِّدٍ لأمل ومناصرٍ له. يخشى الحزب أن يتطوَّر الأمر إلى سفك دِماء شّيعية في العرين الشّيعي، خصوصاً مع وصول شبح الجوع إلى الشرائح المجتمعيّة القريبة من الحزب، والتي كانت قد اطمأنّت في السابق إلى أنها لن تجوع.
إنِّي أعتقد أنّ حزب الله لم يكُنْ يملك أوراقاً كثيرة في موضوعِ وجوده بين مطرقة أمل وسندان التّيار. لم يُرضِ أياً منهما كليّاً، ولم يقدر أن يُخزيَ أحداً منهما أيضاً. هو بحاجةٍ إلى كليهما، ومتضايقٌ منهما في آن. لذا ظهر الحزب وكأنَّهُ مراهقٌ في موضوع السّياسة الدّاخلية اللبنانيّة، وكأنّه نجح في التكتيك وفشل في الاستراتيجيا. لكن هو ليس بالضرورة مراهقاً. هو صاحب مشروع لا يستطيع الرئيس بري ولا الرئيس عون أن يذهبا معه فيه. المشروع أكبر منهما كليهما. الحزب لا يستطيع أن يقول ذلك في العلن. هو يترك لعون وبري أن يحزرا. لا أعتقد أنّ للحزب حليفاً في لبنان بالمعنى الضيّق للكلمة. لذا السؤال هو: “هل الحزب محاصرٌ بخيارات مُرّة في الداخل من باب الصدفة؟ أم أنّه يريد أن يكون في هذا الموقع ليحسّن أوراقه الإقليميّة”؟ عندما يترك الحزب حركة أمل والتيار الوطني “لا مْعَلْقين ولا مطلقين” يكون الطرفان بحاجةٍ إليه. هذه الحاجة تخدم المشروع الإقليمي الذي لا يُحرج الحزب الحديث عنه. وإذا انحاز الحزب إلى واحدٍ من الحليفين، سيفقد هذه الورقة. لذا فإنّ نارَي الحليفين تخدم استراتيجيّته، وكذلك تفعل الهدنة بينهما. الانحياز هو الذي لا يخدم الأهداف، ويبدو أنّ إبقاءَ النارَيْن هو استراتيجيا أكثر مما تبدو منطقيّةً فكرة أنّ الأمر وليد صدفة.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات