مناصِرو التّيار الوطني الحُر يشعرونَ بأنَّهم مظلومون باتّهامهم بالفساد. يدافعون عن أنفسهم بفكرتين: الأولى هي أنّ الفساد استشرى في لبنان مع تنفيذ اتّفاق الطّائف عام 1992، فيما لم يذُق التّيار طعمَ الحُكم إلّا ابتداءً من الـ 2005. الفكرة الثانية تَتَمَثَّلُ في أنّ التيّار، وتحديداً من خِلال رئاسة الجمهورية، حاوَلَ أن يحارِبَ الفساد بقوّة، لكنَّ التّيار يستعمِلُ مقولته الشّهيرة: “ما خلّونا”.
من الظُّلمِ أن يُحَمِّلَ امرؤٌ مسؤوليّة الفساد إلى جهةٍ واحدة فقط. وظُلْمٌ أن يتحمّلَ التيّار وحدَه مسؤوليّة الفساد وهو كان تسلَّم سلطةً رسميّة للمرّةِ الأولى بعد الطّائف بخمسة عشرَ عاماً. هذا كلامُ حقٍّ إنْ كُنتَ تُحب التيّار أو كنتَ خصماً له. مجلِسُ النّواب كانَ شريكاً أيضاً حين وافَقَ على الإستدانة في كلِّ حكومات الرّئيس رفيق الحريري، وغضَّ النظر عن المشاريع الباهظة الكلفة الّتي لحظتها الموازنات. هل تذكرون النائبَين المشاغِبَين زاهر الخطيب ونجاح واكيم؟
لماذا التّيار في دائرة الإستهداف مِن قِبَلِ كلّ السّياسيّين؟ “التّيارون” يقولون: “إنَّ الكلّ ضدّنا لأننا وقفنا ضدّ فسادهم.” لا أعتقد أنَّ هذا هو السّبب الحقيقي. هناك ثلاثة أسباب: الأوّل يعودُ إلى رفع مستوى التّوقّعات عند النّاس قبل الـ 2016 حول أداءِ التيّار إذا هو وصل إلى الحُكم. كُلُنّا نذكُر كلمات العماد ميشال عون المدوّية من الرّابية الّتي شدَّد فيها على أنَّ البلد “منهوبٌ ومِشْ مفلِّس”. كلماتٌ رافقتها وعودٌ من عون بأنَّهُ إذا وصل إلى الحُكمِ سيكون الأمر مُختلفاً. وَصَلَ التّيارُ إلى الحُكمِ، نال عشرةُ وزراء، ودعمتهُ كُتلةٌ نيابيّةٌ هي الأكبر في تاريخ مجلس النّواب، لكنّه لم يفلح.
ثانياً، طريقة تعاطي التّيار مع موضوع التّدقيق الجنائي. رئاسة الجمهورية، ومن ورائها التيّار، يريدون التّدقيق الجنائي. لكن نقطة الضعف في هذه الإرادة أنّها تقتصر على مصرف لبنان. مصرف لبنان شريكٌ كاملٌ في تفليسة الشّعب والخزينة. لكنّ هذا لا يمنع السؤال: “لماذا لا يشمل إصرار التّيار على التّدقيق الجنائي كل الوزارات”؟ لو كُنتُ مكان التيّار، لطلبتُ أن يشمل التّدقيق الجنائي وزارة الطّاقة تحديداً الّتي طالتها ألسنة النّاس وتصاريحُ صندوق النّقد الدّولي. هكذا يمكن للتيّار أن يزيح عنه شبهة إطلاق النار على حاكم مصرف لبنان لأن لديه مُرشّحاً آخر للحاكميّة.
ثالثاً وأخيراً، دفاع التيّار غير الناضج عن نفسه حيال الاتّهامات. خصومه السّياسيّون كُثُر وأقوياء، وموجودون في السّلطة منذ عقود، لكنّي أُدرِكُ أيضاً أنَّ طريقة دفاعِه عن نفسِه لم تكُن ذكيّة. هو ذهب إلى الهجوم في الشخصي، وإلى الاتّهام من دون دلائلَ كافية، ومن دون أن يُجيبَ عن أسئلةٍ تتعلَّقُ بالهدر في وزارته. مثلاً: الكل يُدرِك أنّ هناك مناطق بأكملها لا تسدِّد فواتير الكهرباء. لم نسمع يوماً من التّيار كلمة عن هذه المناطِق، وكم بلغ الهدر. لم يُقدّم التّيار أيِّ تقريرٍ يوثّق حجم سرقة الطّاقة الكهربائيّة ومن وراءها. هذا أفقده الموضوعيّة في اتّهاماته. لم يكن مقنعاً بالدفاع عن خيار البواخر، أقلّه برأيي. كان التّيار يفتح النّار فقط عندما يتعلّق الأمر بتيّار المستقبل الذي لا أبرّئه من الاتّهامات. لكنّني توقّعتُ من التيّار البرتقالي أن يقفَ على مسافةٍ متساوية من جميع الأطراف في التحقيق الجنائي. هنا سقط التيّار.
في الختام أنا أجزم أنَّ التيّار غير مسؤولٍ عن كلِّ الفساد، وأنَّ تحميله وحده هذه المسؤوليّة هو ظُلمٌ كبير. لكنّي في الوقت ذاته أعتقدُ أنَّهُ لم يُدافع عن نفسِهِ بالشّكلِ الجيّد، ولم يكن شفّافاً، وصوّب باتّجاهٍ واحدٍ فقط، ولم يُطالِب بالتّدقيق الجنائي في وزارة الطاقة تحديداً.
سمير قسطنطين