غادة عون ظاهرة، أحببتَها أم لم تحبها. جريئة، وجرأتُها ليست جديدة. في زمن الوصاية، وحدَها أخذَت موقفاً متميّزاً يوم إقفال الـ MTV. في ذلك الزمن كانت جرأتُها محبَّبة.
غادة عون هي الوحيدة في القضاء التي ملكَتْ الجرأة الكافية لفتح الملفّات. كُنتُ أتوقّع هذه الحركة، وإن بشكلٍ آخر، من المدّعي العام المالي. لا أدري لماذا لم يفتح أيّ ملفّ فساد حتى الآن. ولما فتح الملفّات، لم يلاحق أيّاً منها حتّى النهاية. تردُّد الكبار يجعل الأقلّ منهم رتبةً، يجعلهم نجوماً. لا شكّ في أنّها أربَكَتْ القضاء برمّته بعملِها هذا. لا بأس بذلك، خصوصاً أنّنا لم نرَ قاضياً واحداً تجرّأ على فتح أيِّ ملفٍّ آخر. هذه ظاهرة. لا أستطيع ألا أراها إلا لمصلحة عون.
لكن، والـ “لكن” هنا كبيرةٌ أيضاً. هناك أخطاءٌ عدّة ارتكبتها القاضية عون برأيي أهمّها إثنان. الخطأ الأوّل هو هويّة المرتكبين برأيها. جميعهم مسيحيّون وليسوا من انتماءات سياسيّة تشبه الزعماء الذين في الحكم الآن. وهنا أسأل، أليس هناك من مشتبه به قريب من التيّار الوطني الحر أو حركة أمل أو حزب الله فتفتحَ القاضية عون ملفّه؟ والخطأ الثاني هو “تخريج” القصّة. لا يستطيع قاضٍ أن يدخل إلى أملاكٍ خاصّة برفقة مناصرين حزبيّين تابعين لفريقٍ سياسي على علاقةٍ غير ودودة مع الفريق السياسي القريب من ميشال مكتّف.
في مرّات كثيرة، نكون أصحاب حقٍّ كبير، لكنّنا نخسر بالنقاط أو بالضربة القاضية بسبب طريقة تظهيرنا لهذا الحق أو الحقيقة. هناك مثلٌ رائع بالإنكليزيّة يقول: Don’t give your enemy ammunition to shoot at you ومعناه “لا تقدّم لعدوّك ذخيرةً لكي يطلق الرصاص عليك”. أعتقد أنّ القاضية عون وهبَتْهم صناديق ذخيرة كثيرة. لا يجوز أن تخسر قضيّة حق، وهي الحملة ضد الفساد، بسبب أخطاء غير مهمّة.
“يلّلي معجوقين” بالقاضية عون يؤذونها على قاعدة “من الحبّ ما قتل”، والذين ينتقدونها يؤذون القضاء، إذ أنّ القاضي لا يستطيع أن يمشي بحسب ما يحبّه الناس.
حرامٌ أن نخسر قضيّتنا ضدّ الفساد بسبب الانتقائيّة أو بسبب الأسلوب غير الناضج في القتال. أمّا الذين ينتقدون تسريحتها، فلا أعتقد أنّ هذا يُكبِرُنا.
س.ق.