السنتان المقبلتان حاسمتان لجهة ما سيقوله الناس والنوّاب في صناديق الاقتراع. الاستفتاء الأوّل على تبدّل مزاج الناس السياسي أو ثباته سيحصل في الانتخابات النيابيّة في صيف الـ 2022. الاستفتاء الثاني على تبدّل مزاج الأقوياء في الداخل والخارج أو ثباته، سينعكس في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة في تشرين الأوّل 2022 أو قبله بقليل. من ثمّ تأتي الانتخابات البلديّة التي ستشهد على حقيقةِ من سيكون أكثر فاعليّةً فيها: العائلات أم الأحزاب أم المجتمع المدنيّ.
في مرحلة الاستعداد، يبدو أنّ خمسةَ تبدّلاتٍ حَصَلتْ وإنْ كانت لن تغيّر شيئاً في الوقت الحاضر على مستوى إعادة تكوين السلطة. التبدُّل الأوّل هو تراجع شعبيّة الأحزاب القريبة من السلطة، وإنْ كان التراجع ليس بالنسبةِ نفسها عند كلِّ المذاهب. لكن الواضح أنّ أحزاب السلطة لم تكسَب شعبيّةً جديدة في الشهور الثماني عشر الأخيرة. هذا لا يعني أنّ أحزاب المعارضة هي التي كسبَتْ. لا أعتقد أنّ الناس نقَلَت البارودة من كتفٍ إلى كتف. الذين خُذِلوا من أحزابهم وقادتها، إمّا يئسوا ولا يريدون لأنفسهم أيّ انتماء، وإمّا هم في مرحلة تفتيشٍ عن بدائل مُقنِعة.
هذا التبدُّل سيقود حتماً إلى تبدُّلٍ آخر، وهو دخول دمٍ جديد من الثوّار، أو المجتمع المدني، أو المستقلّين، أو غير الحزبيّين، سمِّهم ما شئت، إلى مجلس النوّاب. بعضُ الذين كانوا على لوائح حزبيّة في المرّة الماضية، ومن ثَمَّ انسحبوا من الأحزاب، سيخوضون الانتخابات على لوائح مشتركة مع قسمٍ من هؤلاء الجُدُد. والقسم الآخر من المعارضين غير المُمَثّلين حاليّاً في البرلمان، سيرفضون أيّ شراكة في اللوائح الانتخابيّة مع رموزٍ شاركت في دورة الـ 2018 في لوائح الأحزاب.
التبدُّل الثالث، وفي ظلِّ هذه التغييرات، هو أنّه لن يكون سهلاً على حزب الله التمتُّع بأغلبيّة نيابيّةٍ داعمةٍ له. فالحزب والحركة والتيّار والمردة وبعض ممثّلي طرابلس والبقاع في مجلس النوّاب لن يكونوا أكثريّةً مضمونةً هذه المرّة. وإنْ هُم أرادوا أن تكون لهم كلمةُ الفصل، فسيكون ذلك بعد تقديم تنازلاتٍ ليست سهلة.
يقود هذا التبدُّل إلى واقعٍ رابع هو عدم قدرة الحزب وحلفائه لوحدهم على تحديد إسم رئيس الجمهوريّة لانتخابات الـ 2022، كما حصل في الـ 2016 عند انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة. من سيكون الشريك الأقوى للحزب هذه المرّة؟ بأيّة كلفة سيكون ذلك؟ الأجوبة غير واضحة. هل يكون الاتّفاق يومها على رئيسٍ لا يمثّل حيثيّةً نيابيّة ناتجةً عن الانتخابات المقبلة، هو الحلّ الوحيد المنطقي؟ “بعد بكّير” على كلِّ هذه الأسئلة. لكنّ الثابت هو أنّ أي جهةٍ لن تقدر بمفردها على المجيء برئيسٍ للجمهوريّة، كما حصل في الـ 2016.
التبدُّل الخامس والأخير هو أنّ لبنان سيكون قد اقترب أكثر من تكريس حالةِ عدم القدرة على التوريث السياسيّ. لن يكون الإرث السياسي للرئيس ميشال عون، والرئيس نبيه برّي، والوزير وليد جنبلاط، أطال الله بعمر الجميع، سهل التحقيق كما كان قبل سنواتٍ. كما أنّ الإرثَ السياسيّ للرئيس الراحل رفيق الحريري الذي ضعف أصلاً داخليّاً وعلى الساحة العربيّة، لن يكون بذات فاعليّة الـ 2016.
كيف ستجري الأمور حينها؟ أنا لا أقرأ في الغيب. أعتقد أنّ السياسيّين الكبار في البلد يُدركون ما كَتبْتُه، وإن كان بعضُهم يبوحُ بغيره.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات