لم أفهم حتّى السّاعة إصرار وزارة التّربية على إجراء امتحانات الشّهادة المتوسّطة. أفهمُ بصعوبة إصرار الوزارة على إجراء إمتحانات الثّانوية العامّة. لكن ماذا يبرِّرُ امتحانات البريفيه في سنةٍ مثلِ هذه؟
الوزارة إضطُرَّت، وبسبب شحِّ الخزينة، إلى إلقاء العبء على المدارس الخاصّة تحديداً، فطَلَبت منها تصويرَ أوراق الامتحان، وتجهيز عبوات الحبر على حسابها. هل يعقُل أنَّ الدّولة التي لا تملك المال الكافي لتغطية النفقات اللّوجستيّة، تتوقَّع أن تتوفَّرَ الميزانيّات في المدارس؟
هذه المدارس ستُضطَّر في ظلِّ الانقطاع شبه الدّائم للتّيار الكهربائي، أن تُدير المولّد الخاصّ بها أربعة أيام. كيف ستؤمّن المدارس المازوت بالدّرجة الأولى؟ وإذا أمَّنتْهُ، من قال للوزارة إنَّ المدارسَ تملُكُ المال الكافي لتُدير المولّدات في ظِلِّ الكلفة العالية؟
كذلك فإنَّ الوزارة طلبت من المدارس تأمين مراقبين للامتحانات من معلّميها. لكنَّ الوزارة لم تذكُر في مراسلاتها مع المدارس أيّ شيء عن بدل الانتقال الّذي ينبغي أن تمنحه للمعلّمين في هذه الحالة، ولا عن تسديد بدل أتعاب المعلّمين المراقبين. وهل تستطيع المدارس أن تطلبَ من معلّميها مراقبة الامتحانات من دون دفعِ بدلات الأتعاب والنقل لهم؟ وهل تستطيع المدارس أن تتحمَّل هذه النفقات التي لم تستطع الدّولة “بإمّا وبيّا” أن تتحمّلها؟ أليس في ذلك ظلمٌ؟
الدّولةُ وعَدَتْ بتأمين مشرفين على الامتحانات التي يراقبها معلّمو المدارس. هؤلاء أيضاً سيأتون إلى الامتحانات من دون تعويضات هذه السّنة. كيف يؤمِّن هذا المُشرِف، بنزيناً لسّيارته ومالاً لتحمّل كلفة قيادة السيّارة لأربعة أيامِ مراقبة؟ وأستطيعُ أن أتخيّل المراقبين في مدرسة أولادي مثلاً يقومون بعملهم على أكملِ وجه، وهذا ما أُحبّه. لكن أخبروني من سيُراقِب التلاميذ في المدارس “التجاريّة”؟ المدرسة ذات التاريخ العريق من المصداقيّة، ستتشدَّد في المراقبة، لكن ماذا يا تُرى عن المدرسة “التجاريّة” الّتي لا يهمّها سوى الرّبح المادي؟ كيف تضمن النزاهة في المراقبة؟ هذه المدارس متشوّقة جدّاً لإجراء الامتحانات الرّسميّة فيها. تنتظر لحظة نجاح كلّ أولادها لتعلِّقَ يافطات الاحتفال بالنصر! أنا لا أقول إنَّ المدارس المحترفة يجب أن تحذو حذو المدارس التّجاريّة. لكنّي أقول إنّ مساواة تلاميذ المدارس الجدّية مع نُظرائهم في مدارس لا تقيم للتربية وزناً كبيراً هو أمرٌ غيرُ مُنصِف.
وبالحديثِ عن الجدّية، أودُّ القولَ إنَّ غالبيّة المدارِس أجرتْ لتلاميذ البريفيه فيها امتحانات “البريفيه بلان” التي تُشبِهُ الامتحانات الرّسمية في أسئلتها، وتثقيل علامات المواد فيها، والوقت المخصَّص لكلِّ امتحان، وشموليّة الامتحان. وإنّي أعتقد بأنَّ جدِّية الامتحانات وصعوبتها في المدارس النّزيهة هي أعلى من تلك الموجودة في الامتحانات الرّسميّة. وقد شمَلَت امتحانات المدارس موادّ أكثر من تلك التي تتطلّبها الامتحانات الرسميّة خصوصاً وأنّ مناهجها شهدت السنة تشذيباً كبيراً.
في ظلِّ كل المعطيات السّابقة، لماذا هذه الامتحانات إذاً؟ هل ستكون فعلاً “شهادة” من الدولة على جودة العمل التربوي في لبنان وكُلُنا نعلم كيف أمضى الأولاد سنَتَهم؟ أو ستكون شهادةً ضدّ الدولة بسبب المناهج المُجتزَأة، وعدم الإنصاف في حقِّ أولاد المدارس النزيهة، والمراقبة المشكوك في أمرها منذ الآن في مدارس كثيرة. ناهيك عن إنهاك ميزانيّات المدارس الخاصّة بأكلافٍ إضافيّة. الأمرُ لم يكُنْ كذلك في أيِّ يومٍ من الأيام.
سمير قسطنطين