الزواج … عشرات آلاف الكتب حوله ومئات آلاف المقالات وأكثر. وماذا أُضيف في هذا المقال؟ في لبنان، إرتبط الزواج في أذهان الناس بمفهوم “السعادة”. لماذا؟ لا أدري. لكنّي ومنذ طفولتي أرى هذا الارتباط ثابتاً في أذهان الناس، الأمر الذي لا أراه دائماً في ثقافاتِ شعوبٍ أخرى. فإذا صادفتَ شخصاً وأردتَ أن تتمنّى له أمراً جيّداً تقول له “نِفرَح مِنّك”. فزواج هذا الشخص مجلبةٌ لِفرَحِكَ أنت. وإذا نال الدكتوراه من جامعة “بيركلي” مثلاً وعاد إلى لبنان وأتيتَ لتهنِئتِه، تقول له: “عَ قْبال الفَرْحَة الكبيرة” أي الزواج. وكأنّكَ هنا تقول له أنّ فرَحَه الكبير هو شخصيّاً مرتبطٌ بزواجه. في القصص الرومانسيّة القديمة التي نقرأ فيها عن شاب وشابّة تحابّا لكنّهما وجدا صعوبةً في بداية الأمر في الارتباط، ومن ثمّ تزوّجا بعد صعوباتٍ وأحزان، نقرأ هذه الخاتمة دوماً and they lived happily ever after أي “أنهما عاشا بعد ذلك بسعادةٍ لا تنتهي”.
لكن، هل الزواج هو “مؤسّسة سعادة” فعلاً بمعنى أنّه مجلبةٌ للسعادة؟ أنا شخصيّاً لا أعتقد ذلك. إنّ الذين دخلوا إلى الزواج ظانّين أنّهم سيجدون سعادةً خاب ظنّهم وبسرعة كبيرة. ليس في الزواج “سعادةٌ” بالمعنى الحصري للكلمة. هذا لا يعني أنّ الزواج مجلبةٌ للتعاسة. لكنّي أُريد القول إنّ الذين عاشوا ويعيشون سعداء في زواجهم هُم أولئك الذين يأتون بسعادتهم التي وجدوها قبل الزواج إلى زواجهم، فيجدون سعادةً عندئذٍ في الشريك والأولاد ولحظات الفرح في هذه الدنيا. هؤلاء يأتون بسعادتهم ويستثمرونها في زيجتهم فتثمر سعادةً أكيدةً، أو على الأقل سعادة مُمكِنة. هؤلاء وجدوا سعادتهم ربّما في مسارهم المهنيّ أي الـ career path، أو هُم وجدوا سعادتهم في التقرّب من الله والصلاة، أو وجدوها في حبّهم للطبيعة مثلاً وتمضيتهم أوقاتاً طويلة هناك، أو وجدوها في حياةٍ صحيّة إجتماعيّة بسيطة، أو هُم وجدوها في مزيجٍ من كلّ ذلك. هؤلاء “السعداء”، إذا جاز التعبير، يتزوّجون فينقلون سعادتهم معهم إلى البيت، إلى الشريك، ومن ثمّ إلى الأولاد. لكن أن تأتي إلى الزواج من خيبةٍ، أو من توتّر، أو من حزنٍ، أو من هروبٍ، راجياً أن تجدَ في الزواج سعادةً، فإنّك سوف تكتشف سريعاً كم كُنتَ غير واقعيٍّ في هذا التوقُّع. وخيرُ دليلٍ على ذلك هو أنّ الذين تطلّقوا، إنّما فعَلوا ذلك، ليس لأنّهم لم يكونوا “سعداء” في زيجاتهم فقط، بل لأنّهم كانوا غير مستقرّين.
فإذا لم يكن الزواج “مؤسسةَ سعادةٍ”، فماذا هو إذاً؟ أعتقد أنّ الزواج هو “مؤسسة استقرار” وليس “مؤسّسة سعادة”. عندما تتزوّج فأنتَ تُعطي نفسَكَ فرصةً للاستقرار. فإذا ما أتيتَ بسعادتِكَ إلى الزواج مفتِّشاً عن استقرار بعد حياة العزوبيّة فهناك فرصة جيّدة جداً لتعيش مستقرّاً وسعيداً، خصوصاً إذا كان الشريكُ حبيباً بكلِّ ما في الكلمة من معنى، وإذا شاركَكَ التوقّعات نفسها.
المشكلةُ الكبيرةُ تكمنُ عند الذين يأتون إلى الزواج من حزنٍ كبير، أو خيبةٍ مؤلمة، أو فراغٍ هائل، راجين الحصول على الضالّة المنشودة أي السعادة، فإنّهم بذلك يعرّضون أنفسهم وشركاءهم لخيبةٍ كبيرة نتيجتُها سعادةٌ مفقودةٌ، واستقرارٌ هشٌّ على خطوطِ تماسِ العلاقة. طوبى لِمَن يجد سعادةً قبل زواجه، واستقراراً داخله بعد زواجه، فهذه نعمةٌ من الله قلّ نظيرها.
سمير قسطنطين