الرئيس المُكلّف نجيب ميقاتي يوحي في كلماته ونبرة صوته أنّه يستعجل تشكيل الحكومة. هو يحفظ بذلك خطّ الرجعة إذا ما تأخّر التأليف، لتدلّ الناس بالإصبع على رئاسة الجمهوريّة كمُسبِّبٍ لتأخير التشكيل. بعد انتهاء الاستشارات غير الملزمة في مجلس النوّاب تحدّث ميقاتي عن “إجماعٍ من النوّاب والكتل على الطلب باستعجال تشكيل الحكومة”. وبعد خروجه من القصر الجمهوري ولقائه الرئيس ميشال عون قال: “الرئيس وأنا محافظان على وتيرة السرعة، وبإذن الله سنشهد حكومة قريباً”. لكن ليس كلُّ هذا الكلام تفاؤلاً بل إحراجٌ للرئيس. رئيس الجمهوريّة محرجٌ. هذه المرّة ليست ككلّ المرّات. السبب في ذلك هو موقف حزب الله.
فأين الحزب؟ الحزب الذي لم يُسمِّ أحداً لرئاسة الحكومة في الماضي القريب والبعيد، أعطى هذه المرّة رسالةً معاكسةً لمواقفه السابقة وواضحة، وإلّا فكيف نفسّر صعود إثني عشر نائباً من الحزب إلى بعبدا لتسمية ميقاتي؟ الحزب يعرف أن خيار رئيس الجمهوريّة ليس نجيب ميقاتي. لكنّ الحزب يدرك أيضاً أنّ من ضمن أولويّاته تجنّب الصراع السنّي الشيعي، وقد رأى الحزبُ إجماعاً سُنيّاً على الميقاتي. كذلك من أولويّات الحزب الحفاظ على العلاقة التنافسيّة والتكامليّة في آن مع الرئيس نبيه برّي. الحزب يُدرك تمسّك الرئيس برّي بميقاتي، ويعلم أنّ الرئيس برّي الذي بلع تنحّي الحريري وكان مشروعه لرئاسة الحكومة، لن يبلع تنحّي الميقاتي أو استبعاده. فضَّلَ حزب الله هذين المُعطيَيْن على أولويّته الثالثة وهي التحالف مع الرئيس. نجيب ميقاتي ليس خيار حزب الله الأوّل. الحزب لم يستسِغ يوماً مبدأ “النأي عن النفس” الذي أطلقه الرئيس ميقاتي لجهة النزاع في سوريّا. لكنّ الحزب براغماتي من جهة، وله من فائض القوّة من جهةٍ ثانية ما يكفي ليتكيّف مع أيِّ ظرفٍ داخلي من هذا النوع.
الحزب متوجّسٌ ممّا يمكن أن يُقدِم عليه الرئيس عون. لذا تراه يضغط كما فعل في اليومين الماضيَيْن خوفاً من ذهاب رئيس الجمهوريّة إلى خطّ النهاية في التصلُّب. الحزب يحاول إستيعاب الكلّ وتجنّب النزاع بكلّ أشكاله حتى مع الخصوم التاريخيّين مثل القوّات اللبنانيّة. لكنّ حزب الله مثله مثل السوريّين في طريقة التعاطي مع الحلفاء والخصوم. إذا كُنتَ خصمه، فهو لا يسعى إلى دمارِكَ، وإذا كُنتَ حليفه، فهو لا يعطيك كلّ ما تريده. كان حليف السوريّين في الشمال الوزير سليمان فرنجيّة، لكنّهم أبقوا على دورٍ لخصومه على اللوائح المحادل آنذاك. السوريّون حالفوا وليد جنبلاط ردحاً من الزمن، لكنّهم لم يلغوا دوراً للامير طلال أو مقعداً نيابيّاً له كان شبه هبة غير إختياريّة من جنبلاط.
صعوبة موقف رئيس الجمهوريّة تكمن في حتميّة اختيار واحدٍ من إثنين، كلاهما لا يُفرح القلب. فإذا شكّل ميقاتي الحكومة من دون أيِّ مكسبٍ أساسٍ للرئيس عون، هذا يعني أنّ رئيس الجمهوريّة سلّم بانتهاء دوره، وسلّم بنهاية حلم الوزير جبران باسيل في دور سياسي مستقبلي بارز الذي كان من ضمنه الوصول إلى الرئاسة الأولى. وإذا لم يُسهِّل رئيس الجمهوريّة تشكيل الحكومة، فإنّ الوضع في ظلّ الضغط الدولي وفقر الناس قد يشبه الضغوط التي وُضِعَتْ على عون في نهايات العام ١٩٨٩ وبدايات العام ١٩٩٠. ليس واضحاً حتّى الآن وجود أيّ خيار ثالثٍ ممكن، ولا ما سيكون خيار الرئيس بين الإثنين المُتاحَيْن.
سمير قسطنطين