اليوم تبدأ مرحلة ثانية من انهيارَيْن متوازيَيْن، إنهيار الأوضاع المعيشيّة، وانهيار السلطة. الإنهيار الأوّل مرحلةٌ جديدة من الانزلاق نحو الهاوية، ومن الأوضاع السوداء. عنوانُها تدهورٌ تام في الوضع الاجتماعي. كُلّنا كنّا مدركين أنّ ساعةَ الحقيقة آتيةٌ لحظة رفع الدعم، لكنّنا كُنّا نؤجّل وصولها. كان كلُّ لاعبِ سياسةٍ في البلد يركلُها صوب اللاعب الآخر. مع هذا الانهيار سنعيش فلتاناً أمنيّاً وشغباً و”تشليح” على الطرقات. لكنّ لا حرباً أهليّة ستحصُل لثلاثة أسباب: الأوّل هو عدم قُدرة السياسيّين على تجييش الناس باتّجاه الحرب. قد ينجحون في تجييش البعض للتظاهر لكن ليس للحرب. الشعب غير حاضرٍ للقتال ضدّ بعضه البعض. الناس تَعِبَةٌ. والثاني هو أنّ الزعماء أصبحوا ميسورين. الغنيُّ لا يصنع حرباً. لم تعد هناك “حركة محرومين” في الطبقة السياسيّة لا عند المسيحيّين ولا عند المسلمين. في مسرحية “صيف 840” يقول الأخوان رحباني: “سامع بـ شي ثورة عملها الشبعان؟ الفقير الّلي بيعمل ثورة، المقهور الّلي بيعمل ثورة”. السبب الثالث هو أنّ الطرف الوحيد القادر على خوض قتالٍ أهليٍّ هو حزب الله، ولا يبدو الحزب مهتمّاً بأيِّ حرب شوارع الآن. حادثتا شويّا وخلدة تُثبتان ذلك. واضحٌ رفضُ الحزب للحروب المذهبيّة. وواضحٌ وعي الحزب لخطورة الصراع الطائفي أيضاً، والكلام “التهدَوي” الذي قاله أمين عام حزب الله تجاه بكركي دليلٌ. الحرب هي نهاية كلّ الأطراف.
واليوم تبدأ أيضاً مرحلة جديدة من سقوط النظام وانهيار الطبقة السياسيّة. السياسيّون يدركون ذلك، لذا دعوا إلى التحرّك استباقاً لتحرّك الناس باتّجاه بيوتهم. كُلُّهم متّفقون على رياض سلامة. يريدون أن يوجّهوا غضب الناس ضدّ أحدٍ ما استباقاً لصبِّ الناس غضبها عليهم.
باختصار، هي بداية سنةٍ من الإنهيار المتراكم. مرحلةُ شدّ حبال لصرفها في الانتخابات. في هذه السنة سيزداد الضغط على الحزب للتموضع داخل لبنان وليكون بحجم الطائفة الشيعيّة فقط. سنصل إلى مرحلة مختلفة كلّياً من رفض النظام عندما لا يقدر العسكري الوصول إلى ثكنته، وحين لن يهتمّ إبن القرى البعيدة بالخدمة في بيروت. عنوان المرحلة المقبلة يشبه “لا تندهي ما في حدا”. في هذه الأغنية تقول فيروز: “بابُن مسكّر والعشب غطّى الدراج”.
ما حصل في مجلس النوّاب أمس لا دخل له بهذَيْن الإنهيارَيْن. هي مشهديّة جديدة من صراع الرئيسيْن ميشال عون ونبيه برّي. كأنّي بالثاني يؤكّد للأوّل بأنّه لن يحكم، وكأنّي بالأوّل يقول للثاني: “وأنتَ لن تحكم مجلس النوّاب”. الموضوع لا يتعلّق بالحصانات أو في الحدّ الأدنى لا يتعلّق بالحصانات فقط. لو كان الموضوع محصوراً بها، لَسَمَحَ المجلس الأعلى للدفاع برفع الحصانة عن المدير العام لمديريّة أمن الدولة اللواء طوني صليبا المُدّعى عليه من قِبَل القاضي طارق البيطار. المجلس الأعلى تجنّب بهذه الخطوة صراعاً مع حزب الله الرافض لطريقة عمل القاضي البيطار، وأرضى في الوقت نفسه رئاسة الجمهوريّة. بهذه الخطوة تجنّبَت الرئاسة الوصول إلى مرحلة “عليّ وعلى أعدائي”. صدى التعطيل المتبادل بين الرئاستيْن كان أقوى من صدى الصراع على رفع الحصانات.
اليوم مرحلةٌ جديدةٌ من انهيار الأوضاع المعيشيّة والسلطة. نقطة انطلاقها رفع الدعم. لا نعرف إذا كان سلامة وحدَه إتّخذ القرار أم أوحيَ له به. هي سنةٌ صعبة.
سمير قسطنطين