في لبنان ألفا مدرسة توفّر كُلُّها البرنامج الأكاديمي اللبناني للتلاميذ. في مرّاتٍ كثيرة، ولأسبابٍ تتعلّق بالـ “الكرامة الوطنيّة” بين هلالَيْن، أو تتعلّق بجودة التعليم في لبنان ورِفعة الشهادة اللبنانيّة، رفضنا فكرةَ اتّباع أيّ برنامجٍ دولي. في بعض المرّات، رفَضنا هذه البرامج لأسبابٍ سياسيّة أو حتّى طائفيّة خصوصاً في النصف الثاني من القرن الماضي. لكنّ كلَّ هذه المشاعر باتت في رأيي غيرَ قادرةٍ على وقفِ اتّجاه المدارس الخاصّة إلى التفكير بموضوع تبنّي البرنامج الأجنبي، أكان ذلك البكالوريا الفرنسيّة، أم البكالوريا الدوليّة الـIB Program ، أم برنامج الهايسكول الأميركي، أم برنامج الـ A Levels والـ O Levels البريطاني.
لماذا باتت المدارس مؤخّراً تُفكّر في هذا الاتّجاه؟ خمسة أسبابٍ على الأقل تقف وراء هذا الـParadigm Shift . أوّلاً، قبل سبع سنوات، وبسبب الإضرابات الكثيفة للمعلّمين، وفي لعبةِ عضِّ أصابع بين وزارة التربية ونقابةِ المعلّمين، ألغَت وزارةُ التربية الامتحاناتَ الرسميّة وأعطت إفادات نجاحٍ لكلِّ المرشّحين، الأمر الذي أثّر سلباً على سُمعة البكالوريا اللبنانيّة.
الأمر الثاني يتمثّل في عدم تحديث برامج صفوف الشهادات في البرنامج اللبناني بالشكل الكافي لأكثر من عِقدَيْن. في المقابل، خُذ برنامج البكالوريا الفرنسيّة مثلاً. فرنسا أقرّت قبل ثلاث سنوات التعديلَ الخامس الكبير على هذا البرنامج. هذه التعديلات الخمسة التي أَتَت استجابةً لمفاهيمَ تربوية وعلميّة ومجتمعيّة حديثة حول العالم حَصَلَت في فترةٍ زمنيّة قصيرة نسبيّاً، وإن اعتبرها البعض تسهيلاً غير مُستحبٍّ للمنهاج الفرنسي.
الأمر الثالث هو نوعيّة المهارات التي تساعد هذه البرامج الدوليّة التلاميذ على اكتسابِها. كلّنا نتحدّث عن تنمية التفكير النقدي مثلاً عند الولد. لكن إذا نظرتَ على سبيل المثال إلى برنامج البكالوريا الدوليّة الـIB، فإنّك ترى ومن دون عناءٍ كبير كيف أنّ البرنامجَ يشجّع فعلاً المعلّمين على تنمية التفكير النقدي عند التلاميذ، الأمر الذي لا يفعلُه بهذا الوضوح برنامج البكالوريا اللبنانيّة.
السبب الرابع يتعلّق بنِسَب النجاح في الامتحانات الرسميّة. أنا لا أدعو إلى رسوب سبعين في المئة من التلاميذ كما كان يحصل قبل أربعين سنة! لكن هل يُعقل أن ينجحَ قرابةَ التسعين في المئة من التلاميذ في الدورة الأولى كما حصل السنة أو قبل بضع سنوات؟ وإذا أضَفنا إلى هذه النسبةِ مَنْ نجحَ في الدورةِ الثانيةِ، ومن تغيّب عن الدورتَيْن، نكتشفُ أن كلَّ التلاميذ تقريباً نجحوا في هذه الامتحانات. أنا لا أدعو لا من قريب ولا من بعيد إلى رسوب التلاميذ لكنّي أصرخ بالفم الملآن قائلاً إنّ مستوى الغشِّ في الامتحاناتِ الرسميّة لم يعُد مقبولاً كما حصل قبل ثلاث سنوات قبل تركيب الكاميرات في الصفوف في دورة الـ 2019.
السبب الخامس يوجعني وأستحي أن أذكره وهو تفكير عائلات لبنانيّة كثيرة بالهجرة، ويعتقد هؤلاء أنّ برنامجاً دوليّاً ما يهيّء أولادهم لإكمال دراستهم في الخارج إن هُم أرادوا الانتقال إلى بلدٍ آخر.
هذه الأمور الخمسة تدفعُ مدارسَ كثيرة إلى التفكير مليّاً وعلى الرغم من الأزمة الماليّة إلى تبنّي برنامجٍ دولي. هذا أمرٌ لا يسرُّني بالضرورة. لعلّه يشبهُ أبغضَ الحلال عندي، لكنّه يبدو سائراً نحونا بسرعةٍ تفوق السرعة القصوى.
سمير قسطنطين