نعيشُ بين النّاس، نتفاعلُ معهم، نتحاكى وإيّاهم “على طَرْقِ النَفَس”. هناك أشخاص نُمضي معهم أوقاتاً أطولَ من سواهم. غالباً ما يكون هؤلاء أفراداً في عائلاتنا، أو أصدقاءنا، أو زُملاءنا وزميلاتنا في العمل. وإذا راجعنا التّحدّيات العلائقيّة في حياتِنا، نُدرِك ومن دون كثيرِ عناء، أنَّ مُعظم مشاكلنا العلائقيّة هي مع شخصٍ أو شخصين أو أكثر من هؤلاء.
في علاقتك مع جيرانك في البناية يسهُلُ عليك أن تكونَ مُبتسماً ودوداً مُبادِراً وإيجابيّاً. لكن في علاقتِك مع شخصٍ يسكُنُ معك في البيت نفسِه، أو يعملُ معكَ في المكتبِ نفسِه أو الطّبقة نفسِها أكثر من ثماني ساعاتٍ في اليوم، لا يكونُ الأمر بهذه السّهولة. أنتَ في وضعٍ علائقيٍّ أصعب عندما يكون الأمرُ متعلِّقاً بشريكِ حياتِكَ، أو ولدِكَ، أو مديرك في العمل أو زميلك هناك، أو شخصٍ تنتمي وإيّاه إلى حلقةٍ اجتماعيّةٍ معيّنة من مِثلِ البلدية أو المُنظَّمات غير الحكوميّة. هناك تكمُنُ المشكلة، وتحديداً عندما تتضايقُ من طَبعِه، من كلماتِه، من موقِفِهِ الدّاخلي الـ Attitude حيال آرائك وتصرُّفاتِكَ وقناعاتِكَ. تراهُ صعبَ المِراس إلى حَدِّ الإزعاج، وتكتشفُ يوماً بيوم أنَّهُ نقيضُكَ في أمورٍ كثيرة.
في بعضِ العلاقات يمكنك تجنُّب الاحتكاك والتّواصل، لكن ماذا لو كانَ زوجُكِ هو هذا الشّخص؟ ماذا لو كان طبْعُ ولدِكَ المراهق قريباً من هكذا طبِع؟ ماذا لو كان والِدُكَ شديد الانفعال؟ ماذا لو كانت والدَتُكَ عاليةَ التَّوتُّر وباستمرار؟ في هكذا أوضاع، يُراهن مُعظمُنا على تَغَيُّر الآخر بسبب زعلِكَ منه أو بفضْلِ وعظِكَ له. بعدما تُنهي حديثك مع أحدٍ منهم، تشعرُ بشيءٍ من الرّاحة النّفسيّة “مِنْ بعد ما تْفِشْ خِلْقَكْ”، وتتوقّع أن يتغَيَّرَ الآخر بمُجرَّدِ أنّك تحدَّثتَ إليه. في كلِّ مرّةٍ يحدُثُ ذلك تتعجَّب أنَّ الآخر لا يتغيَّر وأنَّهُ مُصِرٌّ على التّمسك بطبعِهِ الصَّعب وعاداتِه غير المقبولة. حاولتَ أن تعظه فلم يستجبْ. حاولتَ أن تتحدَّثَ إليه بشيءٍ من التّوتُّر عن انزعاجِك، فلم تلقَ أُذُناً صاغية. حاولتَ أن تقولَ لزوجتِكَ أنَّ كثرةَ عتبِها عليك ولومَها لك لا يُفيدُ العلاقة، لكنَّها مُصرَّة على موقِفِها. حاولتِ أن تُقنعي زوجَكِ أن يُخفِّفَ انتقاداته لكِ. عبَّرتِ عن ذلك مراتٍ عديدة بانفعالٍ، أو بهدوءٍ يشوبه التَّوتُّر. لكنَّ شيئاً من التّغيُّر لم يحصل.
دعني أُخبِركَ عن قاعدةٍ ذهبيّة في موضوعِ تغيُّر الأشخاص. إنَّ الشّخص الآخر لن يتغيَّر بسبب عتبِك عليه، أو زعلِكَ منه، أو وعظِكَ له، أو تجاهُلِكَ إيّاه. الآخر لن يُعيرَ كلَّ هذه المشاعِر والمواقِف أيَّ اهتمامٍ تتوقّعه أنت. أبشِّرُكَ أنَّ الآخر لن يتغيَّر بغضِّ النَّظر عن كلِّ المحاولات الّتي تسعى من خلالِها إلى تغييره.
قد تسألني: “وهل الموضوع يُصبِحُ يائساً إلى هذه الدّرجة؟” جوابي هو نعم ولا. إذا كان أسلوبُكَ هو هذا، فإنَّ الآخر ثابتٌ في موقِفِهِ وراسِخٌ في مِراسه. لكنّ الآخر سيتغيَّر في حالةٍ واحدةٍ فقط. هل تذكُرُ أيام دراسة الرّياضيّات في المدرسة؟ هل تذكُر القاعدة الّتي كنّا نُسمِّيها if and only if” الآخر سيتغيَّر if and only if أنتَ تغيَّرتَ أمامه ومعه ومن أجلِ إنجاحِ علاقتكما. هذه هي الطريقة الوحيدة الّتي يُمكنك أن تراهن عليها لتغيير الآخر، خصوصاً إذا كان الآخرُ قد عاشَ هذا النّوع من الطّبعِ أو المِراسِ أو العادات لفترةٍ طويلة.
عندما تتغيَّر أنتَ وتتبنّى موقفاً أكثرَ تفهُّماً، تُصبِحُ أكثرَ إصغاءً له، وتُمسي أكثر إيجابيّةً معه عندما تتواصل معهُ مُشافهةً، وتحاول بالفعل أن تسمع رأيه من وُجهةِ نظرِهِ هو، وتسعى إلى إعطائه validity فيما هو يُخبِرُكَ عنه، وبدلَ أن تسمعَ كلماته الجارحة، تختارُ أن تُصغي إلى مشاعِرِهِ وهو يتكلَّم، فعند ذاك، وعند ذاك فقط، هناك إمكانيّة كبيرة لكي تتغيَّرّ أنتَ وبالتّالي لكيّ يتغيَّرَ هو.
الطريف في الموضوع هو أنّه في الشّهور الأربعة الأولى لتغيُّرِكَ لا تُراهِن على أنَّهُ سيلاحظ التّغيير ويُثمِّنَهُ. في الفترةِ الأولى هو لن يرى التّغيير الّذي حصل فيك. في الشّهور الأربعة التّالية للشّهورِ الأولى، سوف يُلاحِظُ تغيُّرك لكنّه لن يصدّق أنَّكَ تغيَّرتَ بالفعل. بعدَ مرورِ سنةٍ كامِلة، صدّقني أنّهُ سينتبِهُ إلى تغيُّرِكَ وسُيصدِّقُ أنَّكَ تغيَّرت وستكونُ هناك فرصةٌ كبيرةٌ جدّاً لإمكانيّة البِدءِ بتغيُّرِهِ هو ولو ببطء. إن لم تفعل ذلك، لا تُراهِن على أنَّ الآخر سيتغيَّر.
سمير قسطنطين