من أهمِّ المهارات بالمُطلق المهارات الحياتيّة، ومن أهمِّ هذه المهارات الحياتيّة، مهارات التّواصُل، وفي ثقافةٍ تُشبِهُ الثّقافة اللّبنانيّة حيثُ الكلام يأخذ مكان التّواصُل المكتوب، يُصبِحُ أهمَّ ما في مهارات التّواصل، التواصل الشّفهي.
أنتَ قائدٌ في مؤسّسة تملُكُها أو تُديرُها، أو تُديرُ دائرةً فيها، أو تُشرِفُ على فريق عملٍ وتُنسِّق أعماله. أنتَ في موقِعٍ ريادي في زمنٍ لا يُشبِهُ أيَّ زمنٍ آخر مَرَّ به لبنان من قبل.
في الأحوال العاديّة كان يكفي أن يكون في مهارات التّواصُل الشّفهي لديك قُدرة على استعمال العبارات الإيجابيّة، وقُدرة على عدم استعمال عبارات عُنفٍ لفظيّة، وقُدرة على استعمال عباراتٍ مُحترِفة في زمنٍ كان يكثُرُ فيه الهُواة في المؤسّسة.
لكن هل تكفي هذه المهارات في هذا الزّمن الصعب؟ إذا كنتَ فعلاً قائداً ، أي قائداً بمعنى الـ leader وليس بمعنى المدير فقط، سوف تُدرِك سريعاً أنَّ هذه القُدُرات لم تعُد وحدها تكفي في هذا الزّمن الرديء. ولن يحتاجُ الأمر إلى عبقريٍّ ليُدركَ أنَّ الحِفاظ على فريقِ العمل هو أهمُّ إنجازٍ تستطيعُ أن تقوم به الآن.
قد يقولُ لي أحدكم إنّ هذا ليس صحيحاً لأنَّ أهمَ ما تقومُ به الآن هو تعزيزُ المبيعات والحِفاظُ على زبائنِكَ. وأنا أقولُ لك إنّ هذا أمرٌ مهمٌّ جدّاً لكنّهُ ليس الأهم لأنَّ من يأتي بالزّبائن هو فريقُ العمل ومن يُحافِظُ على هؤلاء الشّركاء هو فريقُ العمل، لذا فإنَّ الحفاظَ على الفريق وتعزيزه في هذا الزّمن الصّعبِ بالذّات هو الأمرُ الأكثر أهميّة في المؤسّسات.
لكن كيف تتواصلُ مع فريقٍ في هكذا أزمة؟ وما هي المهارات الإضافيّة الّتي يجب أن تمتلكها كقائد لتُساعدك على تعزيز الفريق؟ وما هي نواحي التّواصُل الّتي يجبُ أن تَتَنَبَّه لها الآن أكثر ممّا تنبَّهتَ لها في كلِّ مسيرةِ عملِكَ مع الفريق؟ في تواصُلِك في هذه المرحلة بالذّات مع فريق العمل، انتبه إلى أمور ثلاثة.
أوّلاً، لِيَكُنْ في تواصُلِكَ تقديرٌ للفريق Appreciation. قد تقولُ لي إنَّ المبيعات خفَّتْ أو إنَّ الإنتاجيّة تراجَعَتْ أو إنَّ إرباكاً ما يَظهَرُ على أعضاءِ فريقِ العمل. كلُّ ما تقولُه يؤكِّد لي أنَّكَ بحاجةٍ إلى أن تُعطي هذا الفريق تقديراً واضحاً وثابتاً بمعنى الـ consistent، فتُعبِّرَ عنهُ في كلِّ يوم وفي كُلِّ مَرَّة. هذا التّقدير المعنوي لا يَسُدُّ حاجاتهم المادّية، ولا يعزِّزُ حسابَهم في المصرف، ولا يَزيدُ من السّيولةِ بين أيديهم، لكنَّهُ بالتّأكيد يُعطي شعوراً جميلاً بفضل تدفّق هورمون الدوبامين في الدّماغ في كلِّ مرّةٍ ينال المرءُ تقديراً من أحد، فكيف إذا كان هذا الأحدُ مديره.
ثانياً، لِيكُنْ في كلامِكَ لأفراد فريق عملِكَ طُمأنينة. يستعمِلُ مديرو بعضِ المؤسّسات في ظُروفٍ كهذه عباراتٍ من مثلِ هذه: “انشالله نقدر نكفّي..”، أو “الشّغل خَفْ”، أو “المؤسسة لازم تعمل downsizing”. هذه العبارات تُثيرُ خوفاً بين أعضاءِ فريق العمل. قد تقولُ لي إنّنا مُضطّرون لاتّخاذِ قراراتٍ قاسية تشبه الزّمن القاسي. أفهم ذلك. لكن هناك فرق بين أن تتّخذ المؤسّسة قراراً يتعلَّقُ بموظّفٍ بعد أن تعقُدَ معه اجتماعاً تفسِّرُ له فيه الوضع القائم، وتشرح له الخيارات المطروحة، ومن ثَمَّ يكون هناك قرارٌ يتعلَّقُ به، وبين أن تبلّغه القرار من دون مقدّمات. قد تقولُ لي إنَّ النتيجة هي نفسها. وأنا أقول لك هذا ليس صحيحاً. أعرِفُ مدراءَ فروعٍ لمصارِفَ كبيرة في البلد تلقَّوا قرار صرفهم من العمل عبرَ الإيميل. وصلوا في يومٍ ما إلى مكاتبهم، وما أن أداروا جهاز الكومبيوتر الخاص بهم حتّى قرأوا إيميلاً من الإدارةِ العُليا يُبلِّغهم بقرارِ الصّرف من دون مقدِّمات. تصوَّروا معي مدير فرعِ بنك أمضى حياته يُقنِعُ النّاس بأن يتعاملوا مع مصرفه وبذلَ كلَّ جُهدٍ في سبيل توسعةِ هذا العمل، تصوّروا معي هذا الشّخص يتبلّغ قرارَ صرفِهِ بأسوأ طريقة ممكنة. إذاً كلام الطمأنينة ضروري. أنتَ كقائدٍ تستطيعُ أن تستعمِلَ عباراتٍ مثلَ هذه: “الظّرف صعب، لكن فينا نكفّي سوى متل ما بلّشنا سوى” أو “بزمن الرّبح كلنا ربحنا وبزمن الخسارة إذا منوزِّع الخسارة علينا كلنا فينا نستمر”، أو “هيدي المؤسّسة اللي عطيتوها أفضل ما عندكن ما رح تتخلّى عنكن بهيدا الظرف لكن تضحياتنا كلنا أنا وإنتو بدّها تكون تضحيات كبيرة.”
ثالثاً، في التواصُل الشّفهي للمسؤول مع فريق العمل في هذا الزّمن بالذّات يُتوَقَّع أن يكون هناك تحفيزٌ وليس فقط تقديراً أو طُمأنينة. وهذا التّحفيز ضروري أكثر من أيِّ وقتٍ مضى إذ في هذا الزّمن كلُّ جوِّ الإحباط يحلُّ من دون تردُّد. عبارات اليأس والتّيئيس كثيرة، يسمعها الموظّف ليلَ نهار إذا جازَ التّعبير. هو يسمع في بيتِه ومن أقاربه ومن زميلاته وزملائه عبارات مثل “شو إلو طعمة بعد كل هالرّكض”، ” ما حدا عارف وين واصلين”، يا ضيعان هالرّكض يللي ركضناه”، اشتغلنا وركضنا وحسّينا هلق إنّو عم نشتغل بدون كرامة”. في كلمات المسؤول الأول أو المسؤول عن الدّائرة، يغدو التّحفيز ضرورياً للاستمراريّة ولضخ الأدرينالين بقوّة. إذا كنتَ مسؤولاً ذكيّاً، عليكَ أن تُدرِك أن استمراريّتك واستمراريّة مؤسّستك تتوقّفان على نوع الزّخم الّذي يتَّسِمُ به عمل الفريق. ومن قالَ لك إنَّ الفريقَ سيبقى مُحفَّزاً من دونِ كلماتِ تحفيزٍ صادقةٍ ونابعةٍ من القلب. عباراتٌ من مثل: “المؤسّسة هيّي إنتو”، “ما في مؤسّسة من دون عطاءاتكن”، “ما في استمراريّة لإلنا إلّا معكن”، تفعل فعلها إذا كانت صادقة.
في هذه الأزمة غير المسبوقة، تذكّر كلمات التقدير والطمأنينة والتحفيز. لعلّها كلّ ما تملك الآن. المهم أن تكون صادقاً فيها، وأن يكون واضحاً لديك أنّك في لحظة الخروج من النفق سوف تفعل المستحيل من أجل أولئك الذي وقفوا إلى جانبك وأحاطوا بك وحموا المؤسّسة في أثناء عبورها في النفق.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات