خرَجَت مشاكل البلد إلى الضوء دُفعةً واحدةً كما تخرُجُ الحيوانات من باطن الأرض قُبيل الزلزال. الرئيس ميقاتي الذي كان رأس حربةٍ في موضوع صلاحيّات رئاسة الحكومة، وكان بمناسبةٍ وبغيرِ مناسبة يطرح الموضوع، لم يعُد يفتحُه الآن. هوَ لا يرى ضيراً يحصل الآن لصلاحيّات رئاسة الحكومة.
لا أعتقد أنّ الرئيس ميقاتي نجحَ في شعار “تدوير الزوايا”. تدوير الزوايا في مشاكل الداخل لا يُشبه “النأي بالنفس” في مشاكل الخارج. “النأي بالنفس” يحمي لبنان. “تدوير الزوايا” يُدمّر ما تبقى من دولة لبنان. الحقيقة هي التي تحمي البلد. الحقيقة تُحرّر. لذا فالمطلوب من الرئيس ميقاتي أن يقول الحقيقة.
البعض يُريده أن يصطدم بحزب الله. لكن، ليس مطلوباً تكرار ما فعلَه الرئيس السنيورة. هل تذكرون؟ هو عقد جلسات مجلس الوزراء من دون المكوّن الشيعي. قامت القيامة. رفض الثنائي الشيعي يومها قرارات الحكومة. لكن بعد العاصفة، دخَلَت كلّ القرارات حيّز التنفيذ. ليس الصدام مطلوباً من رجل دولة. لا يُفيد البلد بشيء إن ذهبَ رئيس الحكومة إلى قتال حزب الله. لكن، لا نموذج الرئيس السنيورة يصلحُ ولا نموذج الرئيس ميقاتي يُفيد. ما يُفيد البلد هو أن يذهب الميقاتي إلى الحقيقة إلى الدستور.
لا يستطيع ميقاتي أن يبقى على هذا المنوال. عندما جاء إلى رئاسة الحكومة، أعطَتْه الناس فرصةً. إنتهت فترة السماح على القرض. الآن تُريد الناس أن تستردّ رأسمالها كاملاً مع الفائدة. الاجتماعات الوزاريّة الفرديّة مع الرئيس ميقاتي كبديل عن اجتماعات مجلس الوزراء فكرةٌ وهميّة. الحكومة هي الحكومة، ومجلس الوزراء هو المكان. إذا بقيَ الرئيس ميقاتي حيث هو، سيشبه بفعلته هذه رجلاً أدارَ الـ Treadmill لكنّه بقي مكانَه لا يتحرّك. سينتهي به الأمرُ متزحلقاً.
الخارج لن يفيد بشيء الآن. الدليل؟ كان لدى الرئيس ميقاتي أملٌ بحصول خرقٍ خليجي عندما إتّصلَ به وليّ العهد السعودي بتشجيعٍ من الرئيس إيمانويل ماكرون. البعض أشاع يومها فكرة عودة العلاقات السعوديّة اللبنانيّة إلى طبيعتها. لكنّ وليّ العهد “بَكَّلْها” للرئيس ميقاتي فزار دول الخليج، وأقفل باب كلّ الخليج في وجهه. التصريحات والبيانات المشتركة كانت واضحة.
الفشل، وليس الفساد، هو المشكلة الأساسيّة الآن. عدم القدرة على إعطاء أيّ حلٍّ هو المشكلة. يكاد الرئيس ميقاتي ينضم إلى مقولة “ما خلّونا”. الطبقة السياسيّة فاشلة “بالجملة وبالمفرّق”. فاشلون كسلطة جماعيّة وفاشلون كأفراد.
إمّا أن يجد الميقاتي حلّاً لهذا الجمود أو يستقيل. هو لا يستطيع أن يبقى حيثُ هو. قد تسأل: “وإذا استقال، فهل ستُحلُّ المشكلة”؟ مشكلة لبنان لن تجد حلّاً مع هذه الطبقة السياسيّة. المسألة ليست مسألة تدوير زوايا. لم تعُد هناك زوايا للتدوير. ليس في الميدان إلّا حرابٌ ونصال. وفي زمنٍ تكسّرت فيه النصالُ على النصالِ، بات مؤكّداً أنّ النأي عن النفس الذي يُفيد لبنان في محيطه العربي، لا ينسحب بالضرورة على النأي بنفس الحكومة عن الصراعات القائمة. “الذهاب إلى الحقيقة” سيكون أكثر إنصافاً بحقّ الرئيس ميقاتي بعد رحيله عن الحكم من “تدوير الزوايا”.
سمير قسطنطين