ينشغل تلاميذ الثانويّة العامة وأهلهم في هذه الفترة من العام بانتقاء الجامعة والاختصاص الجامعي. لكن اختيار هذين الأمرين ليس هو الهدف الصحيح. التحدّي الحقيقي أمام أولادنا يكمن في اختيار المهنة أوّلاً، ومن ثم اختيار الاختصاص الجامعي أو أكثر من اختصاص للوصول إلى هذه المهنة، ومن ثمّ يأتي دور اختيار الجامعة.
أقول أكثر من اختصاص جامعيّ، ذلك لأنّ ولدك قد يختار الهندسة المدنيّة اختصاصاً له في برنامج الإجازة أو الـ Bachelor، لكن عندما يحين وقت اختيار اختصاص برنامج الماجستير، فهو قد يختار برنامجاً في إدارة الأعمال من مثل الـ MBA، أو برنامجاً في الهندسة البيئيّة الـ Environmental Engineering ، وهو متفرّع من الهندسة المدنيّة، أو برنامجاً في الـ Construction Management ، أو غير كلّ ذلك.
لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه هو: “ما دام اختيار المهنة هو الأساس، فكيف أعرف المهنة التي تناسبني”؟ قبل كلّ شيء أودّ التوضيح أنّ نجاح المرء في المهنة لا يرتبط بعلاماته، وإنْ كانت العلامات مؤشّراً في بعض الأحيان الى ميزات في شخصيّته من مثل الجدّية. الأهل قد لا يحبّون ما أقول، لكن هذه هي الحقيقة. النجاح في الجامعة يرتبط بالعلامة، وأمّا النجاح في المهنة فيرتبط بمزايا الشخصيّة ومهاراتها. وهنا يكمن أحد أهمّ أسرار النجاح في الحياة المهنيّة.
وما السبيل إلى معرفة التلميذ المهنة التي تلائم شخصيّته ما دام النجاح في المهنة مرتبطاً بمزايا ومهارات شخصيّته؟ طبعاً هناك Career Counselors يستطيعون أن يقدّموا الخدمة المحترفة لهؤلاء التلاميذ.
لكن في مرحلة البدايات، لعلّ من المفيد أن يسأل التلميذ نفسه أسئلةً من هذا النوع. من بعدها يأتي دور المساعدة المحترفة:
لماذا اخترتُ فرع الاقتصاد والأعمال أو فرع العلوم العامة أو فرع علوم الحياة لصفِّ التخرّج؟ ما هي الحصة أو المادة المفضلة عندي التي لا أشعر بالملل في صفّها؟ هل أُحبّ اللغات، وما هي اللغات التي أستطيع أن أستخدمها بسهولة؟ هل أعتبر نفسي قارئاً؟ هل أقرأ كتباً معينة؟ إذا كان جوابك نعم، فما هو نوع الكتب التي تحب أن تقرأها؟ ما هي الأمور التي أُحب أن أفعلها في أوقات فراغي؟ متى أشعر أنّي لم أُنجز ما أردتُ إنجازه، وكيف يصبح إحساسي عندها؟ هل أشعر بالإحباط واليأس أو بالتحدي لفعل الأفضل؟ إلى من أنظرُ كمثلي الأعلى؟ هل هناك أحد يشعِرني بأنّني أُريد أن أصبح مثله في يوم من الأيّام؟ قد يكون هذا المرء شخصيّةً معيّنة وليس فرداً من أفرادالعائلة. ما هو الشيء الذي أتمنّى أن أفعله في حياتي؟ قد لا يكون هذا الأمر نوعاً من العمل بالضرورة. قد يكون هوايةً. متى أشعر بالفخر بنفسي؟ هل هناك إنجاز ما جعَلَني أفتخر بنفسي؟ هل أنا اجتماعي؟ هل أُحب لقاءَ الأصحاب وتمضية الوقت في التّرفيه، أو أُفضّل أن أبقى في البيت؟ هل أقوم بنشاطات لاصفّية مثل الرياضة، الكشافة، أو غيرهما؟ هل قمتُ أو أقوم حالياً بأي نوع من الخدمة المجتمعيّة Community Service؟ هل أعمل في خلال فصل الصيف؟ إذا كان جوابك نعم، فما هو نوع العمل؟ هل أُحبّ الطبيعة والقيام بنشاطات في الطبيعة؟ هل أُحبّ الفن؟ هل لديّ موهبة فنيّة من مثل الموسيقى، الغناء، الرسم، التمثيل، كتابة شعر أو روايات؟ عندما كنتُ طفلاً صغيراً بماذا كنتُ أحلم أن أكون؟ إذا كان عندي الخيار لأعمل في مجال واحد ليوم واحد، فما هو نوع العمل الذي أختاره؟ هل أُحبّ العمل مستخدماً يديّ من مثل تصليح عطل كهربائيّ أو معرفة سبب العطل في السيّارة مثلاً؟ هل أنا من النوع المتكلّم أو السّامع، وبالتالي هل أُحب أن أتحدّثَ إلى الناس أو أُفضل الإصغاء لهم؟ أين أرى نفسي بعد عشر سنين من اليوم؟ في مكتبٍ؟ في قاعة المحكمة أُرافع؟ في ملعب رياضيّ؟ في مستشفى أُساعد مريضاً؟ في صفّ تعليميّ؟ في مصرف أعمل مع زبون وأُفسّر له عملية حسابية؟ هل أُفضّل العمل منفرداً على العمل مع فريق؟ هل أميلُ إلى الأرقام وتحليلها وربطها بعضها ببعض؟ هل تفكيري تفكير منهجيّ متسلسل ومترابط؟ هل أُفضّل العمل في التكنولوجيا وتوابعها على العمل مع الناس؟ هل في داخلي بعد إنسانيّ يتوق إلى خدمة الإنسان الأقل حظاً؟
أجوبتُكَ عن هذه الأسئلة لا تكفي لاختيار المهنة لكنّها تضيء لكَ مكنونات نفسك ومزايا شخصيّتك قبل نوال المساعدة المحترفة. هي تساعدك على التعرّف إلى نفسك قبل الاختيار.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات