ولدُك بين الثالثة عشرة والتاسعة عشرة من العمر. يتمرّدُ عليك. آراؤه غير آرائك. مقارباتُه لا تشبه مقارباتِك. أمامك طريقان، فإمّا أن تحاربَه وتخسر بالتالي علاقتَك به، وإمّا أن تعتمد أسلوباً آخر يبدأ بتقبُّل حقيقةَ أنّ المراهق ليس مثاليّاً. نقطة البداية هذه “مِشْ عاطلة”. هوسُ الكمالِ عند الأهل يخنقُ المراهِق. بالمناسبة، من قال لكَ إنّك كاملٌ؟ جيّدٌ أن تُدرك منذ اللحظةِ الأولى أنّ إبنَك يثور لأنّه يشعرُ بسلطةِ شخصٍ آخر عليه في البيت والمدرسة.
فلنتّفِق منذ الآن على أمرَيْن: أوّلاً، إنّ إصدار الأحكام واستعمال عباراتٍ من مثل: “إنتَ دايماً…” أو إنت أبداً…”، لا يُفيد النقاش. وثانياً، إنّ اقتراح حلولٍ على ولدِكَ لا ينفع بالضرورة، فهو سيعتبرها إنتقادات. فَهْمُ شعور المراهق هو أفضل حالاً من اقتراح الحلول. إذا قُلتَ لولَدِك مثلاً: “توقّف عن استخدام هاتفِك النقّال وسوف تنال علاماتٍ أفضل”، هُوَ سينظر إلى اقتراحكَ على أنّه انتقاد. تَجَنّبه. من ثمَّ، لا بأس بأن تكون لديك فكرة واضحة حول السلوكيّات غير المقبولة مِن قِبَلِك. لذا أقترح عليك بأن تُميِّز بين السلوكيّات المزعجة مثل ارتداء بعض الملابس، أو الفوضى في غرفة النوم، والتي يمكن غضّ النظر عنها، وتلك غير المقبولة من مثل التدخين أو شرب المُسكر. إنتقِ معاركَكَ إذا جازَ التعبير. لا يُمكنُكَ أن تخوض معركةً مع ولدِك من أجل كلّ أمرٍ تختلف معه عليه.
وماذا عن إطارِ ذهني أنا في النقاش؟ النقاش بهدف إيجاد حلٍّ هو أفضل إطار. قد ألجأ كأبٍ إلى المحاولةِ الحثيثة لإقناع ولدي بوجهة نظري. لا يُفيد هذا الأمر مع المراهق. فمن الأفضل منحَه الإحساس بأنّه جزءٌ من عمليّة الحلّ. المحادثة الأحاديّة الجانب حيث تضع أنتَ القواعد، وهو عليه القبول، لم تأتِ عبر تاريخ العلاقات الأبويّة بنتائج ذي فائدة.
لنذهب الآن إلى بعض التقنيّات التي تُفيد النقاش وتعزّزه وتُغذّي بالتالي العلاقة مع ولدكَ. من هذه التقنيّات “النقاشيّة” أو “الحواريّة” مثلاً، التركيز على سلوكٍ واحدٍ في كل مرّة، فلا تفتح معركةً على كلّ الجبهات. إبدأ بالمشكلات الأصغر وانتقِلْ إلى الأكبر. وما رأيكَ مثلاً بإجراء المحادثة مع ولدك خارج المنزل؟ فالمراهق يعتقد بأنّ المنزل هو مكان قوّة وسلطة الوالدَيْن. وعند ظهور عوارض الغضب عند أيٍّ من الطرفين، لا تنسف اللقاء. أجِّل المحادثة. في لحظات النقاش إبتعد عن المحاضرات، فهي تركّز على المشكلة والماضي، واستعمل كلّ تقنيّات الإستماع الناشطة لكي تُشعِر ولدَك المراهق بأنّكَ فعلاً تحترمُه. هذا لا يعني ألا تشرح لولدكَ وباختصار مجموعة من المبادئ العائليّة من مثل طبيعة عائلتنا، والقيم الأكثر أهميّة لدينا، ونوع العلاقات التي نريدُها.
ولا بأس بأن تبوح بمشاعرِك حول سلوك ولدِك المراهق من دون أن تخبرَه بأنّ أسلوبَه غير مقبول. قُلْ له مثلاً: “بِشْعُر بعدم الإحترام لمّا بتِبْرم ضهرك وبتمشي نحنا وعم نحكي”. إيّاك والسخرية التي ستُشعر المراهِق بالحَرَج، فيُصبح أكثر تمرّداً. ولا تقبل بأقلّ من التوصّل إلى جذور المشكلة، فسلوك المراهق قد يُخفي أموراً أكثر أهميّة مثل تعرّضه للتنمّر، أو مشاكل تتعلّق باحترام ذاته مثلاً. ركّزا على معالجة المشكلة الأساس.
الجوّ الذي تخلقانه في الحوار مهمٌّ. يمكنكما كسر الروتين فتذهبان مثلاً في مشوارٍ لشرب القهوة. هي لفتاتٌ لطيفة من شأنها أن تقوّي العلاقة. هي تُظهر حُبَّك وحِرصَك. وما رأيكَ بكتابةِ ملاحظةٍ في الصباح التالي تتمنّى له فيها التوفيق في الإمتحان مثلاً. وهل من داعٍ لأطلب منكَ الابتعاد عن العقوبات الجسديّة والعاطفيّة؟ العلاقة مع المراهق ستكون هشّة وصعبة العلاج في حال انكسرت. ولا تنسَ أن تُبقي توقّعاتكَ حقيقيّةً فلا تتوقع تحّسُناً مفاجئاً. هذه الأمور تستغرق بعض الوقت. إبنُك المراهق لم يصبح متحدّياً لكَ بين عشيّة وضحاها.
إذا نسيتَ أيّ تفصيلٍ للقاءاتِكما التي يجب أن تكون متكرّرة، تذكّر أمراً واحداً وهو أن تتأكّد من أنّ الموقف ينتهي بوضعِ “رابح/رابح”. فلا أنتَ تكسره وتربح كلّ شيء، ولا تنكسر أمامَه ويربح هو كلّ شيء. أنتما لستُما في حلبة مصارعة. أنتَ وولدُك المراهق في سباقٍ لتَبْنيا معاً أجمل ذكريات وأنضجَ شخصيّات.
سمير قسطنطين