الانتظار على محطّات البنزين وأسعاره التي تشبه أسعار المعادن البرّاقة أيام العزّ، الكهرباء المقطوعة، الأدوية التي اشتاقت إليها رفوف الصيدليّات، معاشات الناس التي باتت تساوي مئة وخمسين دولاراً عند “الذوات” فقط، الخوف من الأوميكرون وإخواته ومشتقّاته غير النفطيّة، وغيرها من الأمور، ماذا تفعل بكَ؟ في الحدّ الأدنى، هي توتّرك، و”باللبناني الدارج بتْعَصْبَك”.
مصادر التوتّر عبر زمن العلاقات بين الناس كانت متنوّعة من مثل العنف الجسدي المنزلي، والعنف المعنوي، والتحرّش الجنسي، ومرض أحد أفراد العائلة أو موته، والطلاق، والانتقال إلى مكان جديد، وضغط العمل، وغيرها. أمّا عند أولادنا، فإنّ مصادر التوتّر مختلفة، ومنها مثلاً خلافات الوالديْن المتكرّرة، والاختلاف الدائم والقاسي بوجهات النظر مع الأهل، والتعرّض للتنمّر في المدرسة، ومواجهة صعوبة تربوية تعلمية، وعلاقة سيئة مع الأستاذ، وغيرها طبعاً.
لكن كيف تعرف أنّ التوتّر قد بلغ عندك درجات خطيرة؟ لا ميزان حرارة للتوتّر ولا باروميتر، لكن هناك علامات ومؤشّرات. هل أنت تعاني صعوبة في التركيز والانتباه؟ هل تعاني نوبات الصداع؟ هل تشعر بضيق التنّفس؟ هل تشعر بالأرق عند مواجهة مشكلة ما؟ هل تتغيّر حالتك المزاجيّة وتتقلّب بسرعة؟ هل تفقد عزيمتك بسرعة؟ هل تشعر بعدم الاستقرار داخل أسرتك؟ هل لديك إحساس دائم بالحزن والأسى؟ هل تشعر باليأس من حوادث الحياة؟ هل تشعر بالذنب لعجزك عن تحقيق رغباتك في الحياة؟ هل تفقد السيطرة على تصرّفاتك عند مواجهة موقف غير مرغوب فيه؟ هل تجد صعوبة في التعبير عن مشاعرك؟ هل يصعب عليك الاستقرار في وضعيّة جلوس لفترة طويلة؟ هل تتحاشى الدخول في علاقات أو مشاركات اجتماعيّة؟ هل تعاني عدم القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة؟ هل تلوم الآخرين على كلِّ أمرٍ سلبيٍّ يحصل؟
إذا كانت أجوبتك عن معظم هذه الأسئلة إيجابيّة، فأنت لا تستطيع أن تتفرّج على نفسك تنحدر إلى هاوية أنت في طريقك إليها. قد يقول لك أحدهم إنّ للتوتّر إيجابيات. هذا صحيح. قد يخبرُكَ هذا الأحد أنّ التوتّر يحسّن الإنتاجية، ويعزّز إنتاج الخلايا العصبية التي تحسّن الأداء، ويزيد التركيز والاهتمام بالتفاصيل، وأنه يحسّن الذاكرة. كلّ هذا صحيح. لكن إذا كانت إجاباتك إيجابيّة عن أسئلتي السابقة، فأنت قد تجاوزت مرحلة الإيجابيّات إلى سلبيّات التوتّر.
إذا أثّر التوتّر سلباً في نومك وتركيزك وأعصابك، وتسبّب بمشكلات صحيّة من مثل أوجاع جسديّة وتعب ونوبات قلق كبير وزيادة الوزن، وإذا زاد في حدّة أمراض أخرى مثل السكّري والضغط، توقّفْ يا عزيزي لبرهة واعلم أنّك تلعب بروزنامة حياتك، وأنّك في طريقك إلى انهيار عصبي وجسمي لا سمح الله.
السؤال المهم هو: “كيف أتغلّب على التوتّر”؟ لا يكفي أن يأتيك أحدهم ناصحاً إيّاك قائلاً: “ما تخلّي شي يوترك”. الجواب الحقيقي قد يبدو بسيطاً لكنّه في العمق هو غير ذلك. الموضوع هو عندك وعندك وحدك، إذ لا أحد يستطيع أن يأخذ عنك توتّرك.
بعض الأسئلة تساعدك على إدراك خطوات بسيطة قد تخطوها بقرار منك ومنك وحدك. لا تمضِ أيّامك متّهماً سواك بالتسبّب بتوتّرك. قد يكون سبب التوتّر هو ظرف أو آخر، لكنّك أنت وحدك ستكون سبب تزايده واستمراريّته.
اسأل نفسك في الخطوة الأولى: ما هي أولويّاتي في حياتي؟ صحّتي أم ردود فعلي حيال كلّ ما يحدث؟ تمتّع أولادي بحياتِهم معي في البيت؟ أم تحصيل ما أعتبره حقّي عن طريق “الخناقات”؟ بناءً على هذه الأولويّات نظِّم حياتك وتحديداً وقتك. أعطِ نفسك وقتاً. في قصيدة ظريفة لها كتبتها باللغة الإنكليزيّة، تقول الشاعرة ليتزوفينغ من سنغافورة:
No one ever knows, when it’s Time to Go, There’ll be no Time to enjoy the Glow, So sip your Tea, Nice and Slow.
معنى هذا الكلام: “لا أحد يعلم متى يحين وقت الرحيل، عندما لا يعود التمتّع بالوهج ممكناً. لذا احتسِ الشاي بمتعة ومهل”.
نعم، أعطِ وقتاً لنفسك. تأمّل الطبيعة، تمتّع بها. الرياضة فيها دفع للنفس وصفاء للجسد. تطرد سمومه خارجاً. الصلاة فيها صفاء للروح. هي صلة بينك وبين الخالق. هل جرّبتها؟ صفاء الذهن ضروريّ أيضاً. من هم أصدقاؤك؟ مَنْ رفقته تدعمك وتملؤك طاقةً إيجابيّة؟ أصدقاؤك هم طريق “الآدوميّة” أو الطريق السريع إلى صفاء الذهن.
نعم حدِّد لنفسِك طرائق صفاء جسدك ونفسك وروحك وذهنك. لن يعمل الـ Homework أحد سواك. الأمر يتطلّب قراراً منك. التوتّر ليس نزهةً ولا طريق الخروج منه كذلك.
وإذا فعلت كلّ ذلك، ولم ينفع؟ لا أعتقد أنّ ما سبق لا ينفع بعلاج التوتّر. لكن إذا كانت النتيجة كذلك، ولم ينفع كلّ ما سبق، يصبح العلاج محتوماً. لعلّنا ساعتذاك نكون قد تخطّينا لا سمح الله حالة التوتّر، وبتنا في مرحلة أخرى أدهى منها. كم أنت متوتّر على مقياس “ريختر”؟ اخترتُ “ريختر” مقياساً لأنّ التوتّر كالزلزال تأثيرُه ما لم نتداركه. من بعد الوقوع فيه، لا يعود شيء إلى ما كان عليه.
سمير قسطنطين