قيل الكثير عن خروجه من الحياة السياسيّة. لا داعي للتكرار. القول إنّ السعوديّة إنتقمت منه، أمرٌ فيه سذاجة. خروجُه أكبر منه حتّى ولو أرادَت السعوديّة عكس ذلك. افترض أنّه بترؤسّه الحكومة سيفرض على السعوديّة التعاطي معه. لم يحصل. القصّة ليست هناك. هذا تفصيلٌ. ما حصل يصبُّ في خانة حصول الانتخابات. الخوف عليها ليس في مكانه. ما يهمّني في كلام الرئيس الحريري تسليمه بمسؤوليّة النظام عن عدم قيام دولة. شهدَ شاهدٌ من أهله.
الفرق بين الحريري وغيره أنّه أحسن الخروج. الآخرون قد لا يُحسنون ذلك. هناك مثلٌ يقول There’s always a first time. المرّة الأولى هي الأصعب. في الثانية الأمور أسهل. كُلُّ الذين استعملوا الحريري (أعتذر عن العبارة) بَكوا عليه. وكُلُّ الذين قاتلوه وإن كانوا في مراحلَ معيّنة شركاء له، تأسّفوا. هُم خائفون على Who’s Next أكثر ممّا هُم حزانى عليه. عندما تنفرط الحبّة الأولى تكرُّ السُبحة. الطبقة السياسيّة غير القادرة على إدارة تفليسة “هَرْهَرِت”.
ببساطة، العالم يريد التغيير في لبنان. كلام مسؤولينا عن المؤامرات يضحكُني. الدول فعلاً تتآمر. لكن في حالتنا نحن، مسؤولونا تآمروا على الناس. هواةٌ مغمورون. الدول تُغيّر الأشياء “بالجملة”. ساهَمَت في وصول علمانيّين (بين هلالين) ديكتاتوريّين إلى السلطة، حكموا العالم العربي أربعين سنة. اليوم ينتهون معاً. أُنظر إلى تونس واليمن وسوريّا والعراق وليبيا والسودان. “نحنا مْنِعْتل همّ” الشارع السنّي. الزعماء العرب السُنّة يفكّرون الآن بطريقة أخرى. خروج الحريري برهان. يهمُّهم التغيير وينظرون إلى مشاعر أهل الطريق الجديدة من منظور التغيير فقط. هُم سيدعمون أيَّ شخصٍ يترشّح ضدّ حزب الله. هذا لا يعني أنّهم سيتمسّكون به بعد الانتخابات ولو دعموه. نحن نريد أن نصدّق أنّ الدول يهمّها الرئيس برّي لأنّه صوت الاعتدال الشيعي. الحريري “مِن لَحْما ودَمّا”، ومثّل الاعتدال السنّي. لم يهمّها. الذي يهمُّها هو حجم دور حزب الله ومن يساعد ومن يُعرقل. بالمناسبة، الحزب لا يُزعج الدول على الإطلاق حتّى ولو زاد نفوذه في لبنان. يهمُّها سلاحُه. أن يكون القرار الآن بيد الشيعة تفصيلٌ. حتّى حرب الدول ضدّ الفساد هي فقط لانهاء الطبقة السياسيّة الحاليّة. هذه حجّة للسير باتّجاه أُفق توازن ودولة.
المسيحيّون والسُنّة قوّتان عاجزتان. غطّوا موضوع السلاح والثنائي “الوطني” كما يُسمّيه الرئيس برّي. الرئيسان عون والحريري قالا إنّهما فعلا ذلك منعاً للحرب الأهليّة. الدول مقتنعة أنّ لا حربَ أهليّةً كانت ستقع Anyway. من وسام الحسن إلى الطيّونة، حربٌ أهليّة ممنوعة.
صوتُ حزب الله عالٍ. لن يرتاح قبل تبيان نتائج فيينّا. هو يُدرك التغيير الكبير في العراق، وتراجعَ الحوثيّين في اليمن. معادلة مأرب لم تنجح. لعلّه يخشى البيع والشراء. المعروض على إيران كبير. لا “شرق أوسط” بدون شيعة، ولا لبنان بدون حزب الله، إنّما بدورٍ مُحدّد وليس بالضرورة محدود. الحزب هو الوحيد الضامن لدوره في المرحلة المقبلة، لكنّ النقاش هو كيف ينزعون منه قدرته على فرض إيقاع الحركة السياسيّة كما يفعل الآن فلا يحكم لبنان لوحده. إمكانيّةُ عودةٍ إلى التوازنِ المفقود. أمام المسيحيّين فرصة للعب دورٍ لكن مع شخصيّات يقوى عقلُها على انفعالِها. قد يتعلّم الشيعة من فشل تجرُبَتَي المارونيّة السياسيّة والسنيّة السياسيّة، وقد لا يتعلّمون.
سمير قسطنطين
الصورة لنبيل اسماعيل من أسرة “النهار”